أردوغان وبوتين.. محبة بعد عداوة
أردوغان وبوتين.. محبة بعد عداوةأردوغان وبوتين.. محبة بعد عداوة

أردوغان وبوتين.. محبة بعد عداوة

وصف "الصديق" الذي خلعه رجب طيب أردوغان، على نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وهو يستعد للقائه في سان بطرسبرغ، ليس توصيفاً للعلاقة بين الرجلين، بقدر ما هو نوع من الاعتذار المبطن، الذي تمنع الرئيس التركي في تقديمه لموسكو، بعد إسقاط الطائرة التي ادعت أنقرت حينها أنها تجاوزت حدودها مع مع سوريا، وتجاهلت التحذيرات التي أعطيت لها في ذلك الوقت.

هذا الاعتذار المؤجل لم يكن ممكنا لولا التطورات الداخلية التي شهدتها تركيا بعد الإنقلاب الفاشل الذي وضع أنقرة، على سطح صفيح داخلي ساخن، أجبر أردوغان على الدخول في تسويات وتفاهمات بدت في مرحلة من المراحل صعبة وغير ممكنة.

أردوغان يذهب لروسيا للتفاهم على ملفات خلافية كثيرة، معترفا ضمنا أنه تسرع في اتهاماته التي وتّرت العلاقة مع موسكو، وهو بزيارة روسيا، يذهب أبعد من الاعتذار الضمني الذي كان قد ورد سابقا، عندما فاجأ العالم بالإعلان عن اعتقال قائدي الطائرة التركية التي أسقطت المقاتلة الروسية بحجة أنهما كانا ضالعين في المحاولة الانقلابية الفاشلة.

أولويات أردوغان في روسيا يتداخل فيها الثنائي مع الإقليمي، للدرجة التي يصعب فيها تحديد الملف الأولى بالرعاية.

فعلى صعيد العلاقة مع موسكو يدرك الرئيس التركي الثمن الباهظ الذي دفعه اقتصاد بلاده بسبب التوتر السياسي مع موسكو، وهو يعلم أن هذا الملف، الذي كان في العادة، بعيدا عن الخلافات السياسية بين البلدين، لم يعد ممكنا أن يظل كذلك، بعد أن استخدمته روسيا كعامل ضغط انتقامي للغلطة التركية.

ومن الواضح أن التجارة والسياحة بين أنقرة وموسكو والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات سنويا، ضرورية جدا في معركة الرئيس أردوغان للإمساك بزمام الأمور، وإحكام سلطته بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.

روسيا التي أدركت حجم الضغط الاقتصادي الذي يمكن أن تمارسه على جارتها التركية، تجد في استجابة أردوغان لهذا الضغط، فرصة لتصفية حساباتها الإقليمية مع أنقرة، وفي مقدمتها الملف السوري الذي ينخرط فيه البلدان حتى النخاع.

ويبدو أن تركيا مستعدة لتفاهمات على هذا الصعيد، خاصة وأن انشغالاتها وأولوياتها الداخلية تدفعها لتقليص انخراطها في الأزمة السورية، والقبول بالحل السياسي الذي كانت ترفضه دائما والذي يتضمن بقاء الرئيس بشار الأسد لفترة انتقالية يتم خلالها التوافق بين أطراف الأزمة على الحلول الكاملة.

ومع اشتداد المعارك حول حلب ومع تحسن وضع المعارضة السورية هناك، فإن أردوغان يعلم أن هذه المعركة مفصلية في الأزمة السورية ومن ينتصر فيها سيفرض شروطه ورؤيته على الآخرين.

لكن الوضع العسكري للمعارضة، وإن تحسن أو تبدل، ليس حاسما، وفرصة الانتصار الناجز على النظام السوري وداعميه، ليست بمستوى تعبيرات وتصريحات المعارضة.

ويدرك الرئيس التركي أن روسيا وحلفاءها على الأرض في حلب لن يقبلوا بمثل هذا الانتصار مهما كان الثمن، ولذلك فإن مسعاه هو الاستفادة من الإنجاز الذي حققته المعارضة في الأيام الأخيرة لتحسين شروط التفاوض مع موسكو، على الحل السياسي الذي تملك تركيا بعض مفاتيحه.

الأوراق التي تتفاوض عليها تركيا في الشأن السوري هي في العمق أوراق تعبر عن مصالح تركية مباشرة، وتبتعد عن الزمن الذي كانت فيه أنقرة تبحث عن دور إقليمي قيادي في المنطقة، فهي تريد علاقات اقتصادية مستقرة مع روسيا للتمتع بتجارة وسياحة نشطة معها، وهي تريد ضمانات روسية بأن الدعم المقدم للرئيس بشار الأسد مهما بلغ مداه، لن يؤدي إلى خلق كيان كردي جديد على حدودها الجنوبية، وهو خطر بدأت ملامحه واضحة في النجاحات الأخيرة التي حققتها القوى التابعة للأكراد على تنظيم داعش في مدينة منبج.

روسيا من جانبها، تجد تقاطعا إيجابيا مع المصالح التركية، فتقليص دعم أنقرة لقوى المعارضة السورية أو على الأقل ترشيده من شأنه تخفيف الضغط السياسي والعسكري الذي يتعرض له الدور الروسي في سوريا، وهي مستعدة مقابل ذلك للوصول إلى تفاهمات بشأن العلاقات الاقتصادية أو الملف الكردي الذي قد لا تكون معنية به، إلا بالقدر الذي يمكن توظيفه في الصراع العسكري والسياسي فوق الأرض السورية.

زيارة أردوغان لروسيا قد تكون من نوع المحبة التي تأتي بعد عداوة، وهي بهذا المعنى قد تفتح باباً جديداً في التفاوض على حل سياسي للأزمة السورية قد يقود لتفاهمات - كانت تبدو للكثيرين مستحيلة - بشأن ملفات إقليمية ساخنة أخرى.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com