مشاورات الكويت اليمنية وسلسلة أخطاء الشرعية
مشاورات الكويت اليمنية وسلسلة أخطاء الشرعيةمشاورات الكويت اليمنية وسلسلة أخطاء الشرعية

مشاورات الكويت اليمنية وسلسلة أخطاء الشرعية

تعثُّر مشاورات الكويت بعد أكثر من سبعين يومًا لم يكن مفاجئًا لأي مراقب حصيف، وهي نتيجة طبيعية لما جرى من تسويف ومماطلة وتضييع للوقت، وعدم الوضوح في التداول حتى حول ما أعلن عنه المبعوث الدولي، ففي حين يعلن عن مرجعيات المفاوضات والتي تتضمن تطبيق قرار مجلس الأمن 2016، وغيره من المرجعيات الأخرى نجد أن التداول في تلك المشاورات، ذهب بعيدًا ليقفز على الحاله الانقلابية التي أدينت من قبل الجميع بما في ذلك مجلس الأمن، إلى تمكين المتمردين من شرعية المشاركة في العملية السياسية، بحجة أنهم جزء من النسيج الوطني للمجتمع اليمني، وهذا الأمر لا يستقيم؛ لأن ذلك يعطي الانقلابيين ميزة أن يكونوا فصيلًا مسلحًا، يملك ترسانةً من الأسلحة والجيش والميليشيات أمام قوى سياسة أخرى مجردة من السلاح، علاوة على أن هؤلاء لا يمثلون إلا جزءًا صغيرًا جدًا من المجتمع اليمني، إن ذلك يعتبر مكافأةً وجائزةً كبيرةً لما قاموا به من عمل مسلح للانقلاب على الدولة اليمنية وعلى تدمير المدن وقتل الأبرياء وتشريد مئات الآلاف من المواطنين، وكل ذلك بهدف لعب دور مرسوم في جنوب الجزيرة العربية، ومن يدعم هؤلاء يعرف أن ذلك يتنافى مع كل القوانين والمواثيق الدولية.

فشل مشاورات الكويت هو تعبير عن فشل الأمم المتحدة وكل الرعاة لتلك المشاورات الأممية، وهو في  الوقت نفسه يعبر عن فشَل الشرعية والانقلابيين معًا في تحقيق أيّ نصر على طاولة المشاورات أو على الأرض، إلاّ ما تحقق في الجنوب.

فشل الأمم المتحدة يتجلى في أنها لم تتمسك بتنفيذ قراراتها التي اتخذتها، وتركت الأبواب مفتوحةً لأي اتفاقات خارج قراراتها، وهي بهذا تزيد الطين بلة في أنها تعطي رسائل للانقلابيين في التصرف بأريحية والتحرك لمزيد من تحقيق مكاسب جديدة على الأرض، وفي الوقت نقسه هو إضعاف للشّرعية الضعيفة أصلاً، والتي لم تحقّق أيّ انتصارات على الأرض لكي تتمكن من فرض شروطها في أية مفاوضات.

أما الرعاة فقد فشلوا في الضغط على طرفي النزاع لإيصالهما إلى تسوية حقيقية وآمنة.

العودة إلى الكويت تعني العودة إلى مزيد من ضياع الوقت وإلى مزيد من الفشل، ولا تجدي مثل تلك المشاورات؛ لأن ميزان القوى على الأرض لم يتغيّر والشرعية لم تستطع الحفاظ على المحافظات المحررة، ناهيك عن التقدم على الأرض لكسب مناطق جديدة، علاوة على أن الموقف الدولي لم يبد حزمًا كافيًا تجاه المتمردين تنفيذًا للقرارات الدولية، كما أن التحالف وضع نفسه بين الفشل والارتياب من الأساس.

وكان خطأ الشرعية الأول، أنها وافقت على الجلوس مع المتمردين على طاولة المشاورات وتحت إشراف الأمم المتحدة، وكان ذلك، استدراجًا للشرعية لكي يتم سحب البساط من تحتها، وبالتالي إعطاء المتمردين أولاً صبغةَ الشرعية على السيطرة على الأرض والأمر الواقع بحكم حضورها القويّ على الأرض، وبالذات فيما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية سابقًا، وثانيًا إعطاء المتمردين الفرصةَ الثمينةَ لكي يستعيدوا ما فقدوه من أراضي ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية، والتي تحررت بفعل قدرة مقاومتها ودعم التحالف العربي من دحر المتمردين من تلك الأراضي.

وثالثًا عدم سحب البنك المركزي من تحت الانقلابيين البساط، والذي يستخدمونه لتمويل المجهود الحربي والتحكم بصرف الأموال، ومن ضمن ذلك المرتبات وتشغيل الخدمات التي تحجب عن من يريدون الحجب عنه وبالذات ما يخص المحافظات المحررة لفرض أجنداتها لتضييق الخناق على معارضيها، وأيضا تمكين الانقلابين من استكمال خطتهم من السيطرة على كل مفاصل الدولة بالتجنيد والتغيير لصالحهم والتعيين في المناصب القيادية المدنية والعسكرية وغير ذلك، أي أن الدولة أصبحت بكافة مفاصلها، تابعةً للانقلابيين وأي حكومة ستأتي تشكل بفعل المشاورات يشارك فيها الحوثيون وكل الطاقم العسكري والأمني والمدني، تشكل قاعدتهم الرئيسة ليكملوا بعد ذلك الانقلاب بشكل سلس ومريح.

كان الخطأ الثاني للشرعية أنها لم تبذل جهدًا كافيًا لكي تستعيد الأراضي التي احتلها الانقلابيون رغم الدعم الهائل الذي قدمته قوات التحالف، وضاعت تلك الإمكانيات في مجاهل الفساد والتصرف غير المسؤول في ذلك الدعم ولم تحقق أيّ تقدم ملموس.

الخطأ الثالث الذي وقعت فيه الشرعية أنها لم تستخدم بعض القوات التي أعلنت ولاءها لها، والتي تتمركز في حضرموت وتحويلها إلى جبهات القتال وزجها في المعارك، كما أن هناك وحدات وقبائل، أعلنت حياديتها في المعارك، وهذه المعادلة لا تستقيم لأن ذلك يَصب لصالح الانقلابيين، ولم يبذل أي جهد من قبل قيادات الشرعية لحشد الطاقات لصالح دحر الانقلابيين.

الخطأ الرابع الذي وقعت فيه الشرعية، أنها أوقفت كامل العمليات القتالية في كل الجبهات المشتعلة بصورة مفاجئة حتى قبل إعلان الهدنة خاصة وبعد التعيينات القيادية الأخيرة التي أجرتها الشرعية، وبهذا فقدت الكثير من المكاسب في تعز وذباب والوازعية ونهم والجوف ومعروف أن فقدان مكاسب في الحرب، يشكل كارثةً كبيرةً، وليس من السهل استعادتها من جديد.

الخطأ الخامس الذي وقعت فيه الشرعية، أنها لم تقدّم الدعم للمحافظات المحررة، لا في مجال الخدمات ولافي تسوية أوضاع المقاومة التي تصدت للانقلابيين وأخيرا جرى تعطيل الحياة في تلك المحافظات، وعجزت عن فعل أيّ شيء لتسيير النشاط الخدمي وغير ذلك وكانت ترى تدني الخدمات ولم تحرك ساكنًا، بل على العكس من ذلك يرى المراقبون بأنها كانت تفعل ذلك بتعمد واضح وصريح لأسباب تخص توجه معظم المنتمين إليها

مع الأسف الشرعية تبحث عن استعادة الدولة، ولكنها أضاعت الدولة في الجنوب، أي: ساهمت في خلق فوضى إدارية وعسكرية وأمنية وتعدد الأجهزة فيها.

وفي حين تلقى الانقلابيون هزيمةً نكراء في الجنوب بفضل صمود الشعب ومقاومته الباسلة وبدعم كبير من قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، لم يقابل ذلك أي تحرك فعلي لكي يحدث أي اختراق في المحافظات الشمالية من قبل الشرعية رغم الدعم الهائل والكبير من قبل قوات التحالف العربي وعلى العكس يحاول الانقلابيون استغلال الظرف الحالي بتطويل وقت التشاور بالكويت بالاختراق من جديد في نحو المحافظات الجنوبية حيث تدار معارك شرسة على تخوم محافظة لحج والضالع وأبين وشبوه بهدف تعديل وضعها العسكري لبسط سيطرتها على الأرض.

الدولة مخطوفة بيد الانقلابيين تدير أنشطتها كاملة، تقوم بعزل من تريد، وتنصب من تريد في كل مفاصل الدوله وبيد الانقلابيين كل مفاتيح إدارة الدولة وخاصة المال الذي  تدير فيه كل أنشطتها، وهذا يتم بموافقة دولية، وتصرف مرتبات موظفي الدولة، وتمنع عن من تريد، وتقوم بتجنيد الآلاف من العسكريين الجدد، وتنشئ وحداتٍ جديدةً وتسير عملية تأهيل واسعة النطاق لضباط جدد في موسسات الجيش والأمن، وهذا إضافة إلى ما هو موجود من جيش جرار من مناطق محددة ينتمي إليها الانقلابيون، كل ذلك وغيره يجري ولم يحرك الرعاة الثمانية عشر ساكنًا، وسيكتشفون أن سلطة الأمر الوقع قد بنت أركانها، ولن تستطيع الشرعية زحزحتها، وفي المقابل هناك محافظات محررة في الجنوب لم تستطع أن تجند ألف مقاوم في صفوف الجيش الوطني والأمن وهناك تنهار المؤسسات القائمة بسبب حجب التمويل لها من المركز المالي صنعاء، بينما يفرض على تلك المحافظات توريد إيراداتها إلى البنك المركزي بصنعاء لكي تمول الانقلابيين بالمال لتسيير نشاطهم .

هذه المعادلة غير مفهمومة ولا تستقيم بأي حال من الأحوال، لكون شعب الجنوب يعاقب بسبب موقفه في التصدي للانقلابيين وتحرير أرضه لكي يظل، معلقًا بين السماء والأرض ينتظر ما يرسل إليه من رواتب يتيمة لبعض موظفي الدولة في الجنوب وهناك الآلاف من الذين حجبت عنهم مرتباتهم وخاصة العسكريين الحنوبيين كضغط يمارس عليهم كي يتخلّوا عن الشرعية، بينما الشرعية لم تحرك ساكنًا، وأيضا مصير تجنيد المقاومة، مجهول لأن الشرعية لا توفر لهم مصدر التمويل له، لذا نرى أن الوضع يحمل دلالات خطيرة، ويخيل لي أن هناك من يضغط لكي يتمكن الانقلابيون من استعادة الجنوب المحرر وبعدها ستكون عملية الاعتراف بالأمر الواقع مسألة مفروغا منها.

أعتقد أن دول التحالف العربي -وبالذات السعودية والإمارات- عليها مسؤولية الحفاظ على الانتصار الذي تحقق، وأي اختراق لتلك المحافظات يعني هزيمة لها، خاصة وان وراء الانقلابيين دولة تعلن عن نواياها في اختراق الأمن القومي العربي من خلال حلمها بالوصول إلى بحر العرب وخليج عدن وباب المندب، وبالتالي سيأتي الدور في فرض الهيمنة الكاملة على المنطقة وفرض أجندتها المعروفة والمعادية للعرب جميعًا، وحسب قول مؤسس الثورة الإيرانية بأن العرب والأتراك قد حكموا في الماضي، والان جاء دور الفرس لكي يهيمنوا ويحكموا المنطقة، ويعني أن يصل تأثير ذلك في فرض شروطها على العالم أجمع وعندها سيكونون أكملوا الطوق في حصار العرب وسد المنافذ البحرية أمامهم ليظلوا حبيسي الصحراء ينتظرون مصيرهم.

العرب أصبحوا في مهب الريح التهوا في صراعات جانبية بينهم، وتركوا أعداءهم يسرحون ويمرحون في تعميق تلك الصراعات، نلاحظ أن إيران تمكنت من الحصول على موطئ قدم في العراق وسوريا ولبنان واليمن ونلاحظ التحرك الإسرائيلي تجاه دول أفريقيا المطلة على البحر الأحمر والقرن الأفريقي، والهدف إحكام الطوق على العرب ومحاصرتهم في بلدانهم وفي مشاكلهم التي تؤدي إلى إضعافهم.

العالم المتحضر يريد أن يضخ لمجتمعاتنا أسوأ أنواع التخلف من العناصر التي ستبقى في مجتمعاتنا لسنوات بعيدة قادمة حتى تظل مجتمعاتنا متخلفة لأطول فترة ممكنة وهي تدعمها، وإن تمكنت من ذلك سنجد أنفسنا في ذيل قائمة الدول في العالم المتحضر لأطول فترة ممكنة.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com