وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن
وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطنوطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن

وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن

إميل أمين

من بين العديد من الأدوات التي حاول بها الاستعمار في قديمه وجديده أن يفكك أوصال مصر كانت الطائفية في المقدمة، ففي زمن بعيد أرسل قيصر روسيا إلى بطريرك الاقباط في مصر رسالة يسأل فيها إمكانية أن تقوم روسيا العظمى بحماية الاقباط في مصر، فما كان من البطريرك إلا أن سأل مبعوث قيصر .. هل قيصركم يموت ام لا؟



كان الجواب الطبيعي نعم يموت.. حينها إجابه البطريرك .. إذن اذهب وقل له إن اقباط مصر في عناية من لا يموت.....ولا يغفل ولا ينام.

استمر اللعب على هذا الوتر طوال عقود الاحتلال البريطاني لمصر، وقد يئس اللورد كرومر من التفريق بين المسيحيين والمسلمين فقال قولته الشهيرة.. لم اجد فارقا بين الاثنين سوى أن الاول يصلي في الكنيسة والآخر يصلي في المسجد ..

لم تنقطع المحاولات الغربية عامة والأمريكية خاصة لجهة اذكاء نيران الطائفية منذ سبعينات القرن الماضي وصولا إلى الجمعة السوداء التي اعقبت فض اعتصامي رابعه والنهضة، والتي احرق فيها الإخوان نحو مائة كنيسة ومدرسة ومنزل ومتجر وغيرها من ممتلكات الاقباط .

كان الهدف هو ادخال مصر في دوامة الطائفية التي لا دواء ناجع للامراض التي تنتج عن انتشارها، فقد راهن اعداء مصر على ردة فعل الاقباط والتي خيل إليهم أنها يمكن أن تبدأ من العنف والمواجهة المسلحة في الداخل وصولا إلى الصراخ العالي للاستعانة بالخارج والاجنبي، واعطاء الفرصة للتدخل الجبري، بل أن الاحاديث والمؤامرات كادت أن تصل إلى ترتيب جلسات خاصة في مجلس الأمن، ولاحقا فتح باب الفصل السابع من الميثاق واسعا لاقاويل كثيرة.

غير أن كل هذه الأوهام جميعها تحطمت على صخرة الايمان الثابت بأن مصر وطن يعيش في قلوب المصريين مسلمين ومسيحيين لا وطن يعيش فيه هولاء وأولئك.

في ذلك الوقت اطلق بابا الاقباط تاوضروس الثاني صيحته الشهيرة:" إذا احرقوا كنائسنا سنصلي في مساجد إخواننا المسلمين، وإذا احرقوا المساجد سنصلي سوية في خلاء مصر الواسع... أما دخان الحرائق فليصعد قربانا للسماء تضحية لفداء مصر".

بالأمس القريب يضيف بابا الاقباط فصلا جديدا من فصول المشهد الوطني المصري الجديد، مشهد بعث مصر الجديدة باقباطها ومسلميها معا وإلى الابد، كان ذلك على هامش زيارته لسويسرا ولقائه مع مراقب حاضرة الفاتيكان في الامم المتحدة.

البابا المصري لم يتحدث إلى المندوب الروماني الكاثوليكي رافعا عقيرته بالشكوى من اوضاع الاقباط في مصر، كما أنه لم يأت على ذكر ما جرى في أرض المحروسة من احزان وآلام صبغت لون النيل بالأسى وكسته بالغضب، بل تناول في حديثه سيرة ومسيرة المصريين الذين عاشوا مع بعضهم البعض عبر 1400 سنة، وكيف أن مصر لم تعرف التشدد ولا التعصب إلا لظروف خارجية في الاربعين سنة المنصرمة فقط .

بابا الاقباط تحدث إلى المندوب الفاتيكاني عن تجربته الاسرية الخاصة وكيف أنه عاش واسرته في شقة ضمن منزل يحتوي على 10 شقق، كانت أسرته هي الأسرة المسيحية الوحيدة في المنزل ولم يعرف منهم تعصبا او مقتا او شعر في لحظة ما برغبة في الانعزالية من جانبه ولم تصدر دعوة لاقصائه واسرته من جانب جيرانه المسلمين ... ويؤكد في نهاية حواره على أن مصر عرفت دائما وابدا بإسلامها الوسط السمح المعتدل المحب والقابل للآخر .

اجمل العبارات التي اطلقها البابا تاوضروس في زيارته الأخيرة لمجموعة من الدول الأوربية هي قوله .."إننا نعتبر وطنا بلا كنائس افضل من كنائس بلا وطن "....

حكما يرى بابا الاقباط ما الذي جرى ويجري للمسيحيين في العراق وسوريا ومن قبل في فلسطين المحتلة.. وعليه يعلم علم اليقين كم هو غال وعزيز هذا الوطن على أبنائه واغلى واثمن من جدران مباني حتى لو كانت كنائس .

يقين بابا الاقباط أن لمصر وضع خاص في تدبير المشيئة الالهية .. إنها البلد الذي هربت إليه العائلة المقدسة هربا من ظلم هيرودس ومن طغيان الرومان، حيث عاشت نحو ثلاث سنوات وستة اشهر .. ولذلك فيقين كبير القبط أنه إذا كانت كل بلاد العالم في يد الله فإن مصر في قلبه.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com