ثورة الصعايدة والسوشيال ميديا
ثورة الصعايدة والسوشيال ميدياثورة الصعايدة والسوشيال ميديا

ثورة الصعايدة والسوشيال ميديا

القصة ببساطة كان يمكن أن تمر مرور الكرام "ولامن شاف ولامن دري" على رأي المثل المصري.

الكلمات المهينة والمسيئة للمدعو السبكي جاءت في معرض تعليقه عن صفحة، هو "آدمن" لها، بعنوان (يوميات زوج مفروس).

وعندما سأله المذيع خيري رمضان عن حالات الخيانة الزوجية تطوع قائلاً، ببساطة احتساء كوب شاي صعيدي، إن نسبة 45٪ من نساء الصعيد على استعداد لخيانة أزواجهن، خصوصاً مع سفر الأزواج للعمل بالخارج.

لم تكن هذه الكلمات، التي قيلت منذ شهر تقريباً، وسط ضيفات من النساء، في ذات البرنامج، إن لم تتوقف إحداهن أمام كلامه أو تعلق بكلمة، ولم تكن تحدث هذا الزلزال لولا ما يعرف بالسوشيال ميديا.

ماحدث أن صفحة "أنا صعيدي" أذاعت الفيديو بتعليق ناري من آدمنها، وتوالت ردود الأفعال وكبرت القصة مثل كرة الثلج، وحتى كتابة هذه السطور هناك أكثر من 5000 دعوى قضائية مرفوعة ضد السبكي والمذيع والبرنامج، ووصل الامر ان الجاليات الصعيدية في كل دول العالم وقعت مذكرات جماعية ورفعتها لسفراء مصر في هذه الدول احتجاجاً وتعبيراً عن غضب عارم.

واعتبر الجميع أن ماذكره هذا المأفون، بلا وعي، يطال شرف وعرض كل صعيدي، ولسان حال الجميع يردد بيت المتنبي الشهير ( لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدم).

ومن يتابع صفحات الصعايدة ومواقعهم يرى آلاف التهديدات بالقتل، لدرجة أن أحد الصعايدة اتصل بي عبر الشاشة وقال: أنا قررت أنا ومجموعة صعايدة أن نتحرك فوراً من سوهاج، وسنذهب لبيته بالقاهرة ونربطه في شوال ونزفه من شمال الصعيد لجنوبه سيراً على الأقدام ثم نذبحه".

واضطررت أن أقول له إن هذا ضد القانون، واترك القضاء يقتص منه، وطبعاً لم يقتنع بكلامي.

أما كلمات نساء الصعيد، سواء في برامج "التوك شو" أو "اليوتيوب" فهي درس لمن يريد أن يعرف من هي المرأة الصعيدية مصنع الرجال ونموذج الأجيال.

مايهمنا في هذه القضية، التي يمكن أن تنتهي بحبس السبكي بتهمة السب والقذف، هو تأثير جمهورية "السوشيال ميديا"، وكيف صنعت من فقرة عادية وكلام ذكره مغمور، فتنة طالت كل صعيد مصر، بل كل الصعايدة في العالم.

التأثير الآخر والأقوى للمدونات لم يتصور أي محلل أنه يصل لصعيد مصر الذي يعاني فقراً مدقعاً ونسبة أمية مرتفعة، قياساً بالقاهرة والدلتا.

وهذا يدعونا لتحليل تأثير "السوشيال ميديا" في المجتمعات المعروفة نوعاً أنها مغلقة ومحافظة على عادات وتقاليد ضاربة في في القدم، هل تغيرت المفاهيم أم أن المدونات و"اليوتيوب" حرقت كل مراحل الإعلام التقليدي، وتجاوزت نظرية الاتصال للعالم ماكلوهان.

لقد بدأ خبراء الإعلام يتنبهون لذلك منذ عام ٢٠٠٤م، حيث كان المدونون هم من أشعل فتيل ماعرف بـ (rather gates) وهي الفضيحة الإعلامية التي طالت المذيع الأمريكي الشهير دان راذر، والذي قام في برنامجه "٦٠ دقيقة" بعرض وثائق تتعلق بالخدمة العسكرية للرئيس جورج بوش وشكك في فترة خدمته قبل الانتخابات الرئاسية بشهرين، مما هدد مستقبله؛ فماذا حدث؟

المدونون أمام سطوة الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع قاموا بنشر الوثائق وأثبتوا أنها مزورة وغير حقيقية، وانقلبت الدفة لصالح بوش وضد الإعلام التقليدي، وبدأ الإعلام الإلكتروني منذ ذاك اليوم يكسب أرضاً جديدة بصورة غير مسبوقة، تمثل ثورة "السوشيال ميديا".

وهذا بالضبط ماحدث في قضية الصعايدة وشرف نسائهم الذين تصوروا أن كلام فرد "غاوي شهرة" طال أعراضهم، والحقيقة أنهم من صنعوا لكلامه الفارغ تأثيراً بلا أي داعٍ أو مبرر.

كل مانخشاه أن نقرأ خبر مقتل السبكي على يد صعيدي في صفحة الحوادث أو مدونات الصعايدة، وتكون جريمة مزدوجة سببها "آدمن" صفحة "أنا صعيدي" والمهيجون وصناع الفضائح في "الميديا" عموماً، أليس فيكم رجل رشيد؟

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com