بائع العوامات الذي انقذني
بائع العوامات الذي انقذنيبائع العوامات الذي انقذني

بائع العوامات الذي انقذني

جيهان الغرباوي

كل زجاجات العطر الملونة التي اهديتها لي ما تزال في خزانة ملابسي وامام مرآتي.

كل الاغاني التي رددناها معا، ما زلت احبها واغنيها ..

كيف اجرؤ أن اواصل حبك حتى اليوم؟

كيف لا تمحو قسوة ابتعادك وجحود عنادك، اياما جميلة دامت لي تلمع، في الذاكرة؟

انت استثناء كبير في حياتي، وانا اتحمل مسؤوليته للنهاية.

انت قصة الحقيقة والاسطورة وكلاهما تتناقلهما السنوات بحرص، حتى لا تنمحي رائحة الورد أو تنسى.

كان اليوم صيفي حار، لكني اخترت ان ارتدي هذه (البلوزة البمبي) الساتان، باصرار وثقة ليس لهما مبرر إلا في عقلى الباطن.

فيما بعد فهمت ان الساتان (البمبي ) هو لون رداء العروسة في الفلاحين، وانا فلاحة كما قلت لي يومها، وانت تضحك!

تسخر مني يا بائع العوامات على شواطئ المصايف؟؟

لم تنج من يدي قبل ان تدفع ثمن سخريتك: قميصك (اللبني )..

خلعته انت وارتديته انا!

اغاني الافراح في بيوت الفلاحين، ترن بقوة في ذاكرتي واذني، مع صوت الطبل في ايدي النساء، والصوت عالي و الرقص حامي و الغناء مستمر:

(ع العجلة .. وشبكها.. بالقميص اللبني .. اول ما دخل .. دخل ع الرياح .. اكلها التفاح .. واتوكل ع الله ... تاني ما دخل دخل ع السرير .. لبسها الحرير .. واتوكل ع الله ... ع العجلة وشبكها بالقميص اللبني .........)

كانت تحلو لي كثيرا، حكاياتك عن طفولتك الشقية ومغامراتك المضحكة، وبدايات شبابك العصامي الذي شغلك في المواسم بجمع البلح وصناعة الاقفاص من جريد النخل و بيع العوامات على الشواطئ ..

كنت معك طفلة تهوى الحكايات وتستمتع بالحواديت وتصدقها اكثر من اي شئ في حياتها.

كنت اراك بائع العوامات على الشاطئ، يرمي نحوي طوق النجاة، ليخرجني من البحر و ينقذني من الغرقى و الحمقى الذين تكاثروا حولي حتى اخافوني!

فهل انت حقا هو؟

رأيتك على الشاطئ تبتسم وتلوح فتوقف خوفي عن العمل، واصبح الفتى الوسيم بائع العوامات هو نفسه الشاطئ، وابتسامته هي جائزة الوصول.

(!!!)

في خزانة ملابسي ما زلت احتفظ بها (البلوزة البمبي القديمة) التي لا اعرف كيف أو اين وجدتها لأرتديها معك، في هذا المساء؟

كنا متحمسان يومها كي نذهب معا ونشاهد بيتنا الجديد لأول مرة ونكتشف معا مزايا موقعه ولون حجراته، رغم انها كانت كلها ملساء، خالية، ليس بها ولا حتى مقعد واحد.

انا الان امام النافذة التي فتحناها معا لأول مرة، ونظرنا منها نحو شجر الورد و زرقة الماء و نور النجوم في السماء وعندها قبلتني ...

كل زاوية و ممشى ومقعد في البيت الان، يذكر لك كلمة و اشارة وضحكة كأنما انت طفل حر سعيد، أو كأنما انت اب حنون لصف طويل من الاطفال، انا اصغرهم، واحيانا كنت معي مغني و ممثل مسرحي كبير وشاعر و امير..

هنا وهناك لك بصمة واثر وحكاية وصوت لا يخفت، ولا ينمحي من ذرات الهواء مهما تجدد، وعند هذه الوسادة و فوق تلك السجادة لك دعاء حار كصلاة ناسك متعبد.

اينما ذهبت لن تبتعد

فأنا الان جزء منك ..

اينما سافرت لن تبتعد

فأنت دائما معي !

اغسطس 2014

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com