2016 العرب والنفط ورجل الافاعي
2016 العرب والنفط ورجل الافاعي2016 العرب والنفط ورجل الافاعي

2016 العرب والنفط ورجل الافاعي

إميل أمين

يمكن أن نطلق على العام 2016 وبامتياز عام النفط، حيث من المتوقع أن يشهد العام الجديد اضطرابات غير مسبوقة، جميعها تصب في خانة انخفاض أسعاره، وربما تتجاوز حدة الانخفاضات ما جري من قبل وفي أوقات سابقة، ما يعني أن الأمر سوف يعد بمثابة نعمة للدول المستوردة ونقمة بالنسبة للدول المصدرة، أو هكذا يبدو المشهد علي الأقل، في ذهنية العوام.

ما الذي جرى على وجه التحديد؟

لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون الأمر كله مرده عوامل اقتصادية ذلك أنه حتما تبقى هناك معارك سياسية خفية تجري من وراء الأبواب، ولعل آخر فصولها النقاش الدائر في الولايات المتحدة الأمريكية حول إعادة تصدير النفط، بعد تخمة التخزين التى أصابتها منذ أوائل السبعينات، وبلغت في أيامنا نحو 700 مليون برميل، وبين النفط الصخري المكتشف والمعالج بآليات حديثة.

هل يمكن لسعر البرميل أن يتراجع دون الثلاثين دولار؟

من أسف هذا احتمال وارد وبقوة، ذلك أنه عطفا علي دخول الولايات المتحدة الأمريكية سوق النفط كمصدر، سنري إيران تقوم بذلك بدورها، بعد رفع العقوبات عنها، ما يعني زيادة في المعروض عن المطلوب بدرجة أو أخري، ودون أن ننسي أو نتناسي البدائل التى تطفو علي السطح بين الحين والآخر، بدائل الطاقة، فعلي الرغم من أنها لا يمكن أن تحل محل النفط مرة واحدة وإلي الأبد، إلا أنها بحال من الأحوال بدأت جديا في اقتطاع مساحة ملحوظة في المنطقة التى لم يكن يشغلها غير النفط من قبل.

يعن لنا أن نتساءل عربيا :" هل يبدو الامر نقمة بالفعل"؟

المسالة في واقع الحال تعتمد علي عقلية إدارة الأزمات، والنظرة الموضوعية العقلانية، فعلي الرغم من أن نسبة عالية من الدول العربية تعتمد اعتماداً كليا في مداخليها على العوائد النفطية، إلا أن الأمر قد لا يبدو كارثيا كما يتصور البعض.

نعم ربما يؤثر هذا الانخفاض علي درجة رفاهية بعض المواطنين، لكن في الوقت ذاته يمكن النظر إلي الأمر من زاوية الشدائد التى تمتن النسيج الاجتماعي، والتضافر الاجتماعي الذي يبني الأمم عبر جهود أبناءها الخلاقة، بدون الارتكاز علي ثروات الطبيعة وحسب.

هذا المفهوم يمكن شعوب المنطقة، والخليج العربي علي نحو خاص من القفز علي حائط التهديدات المتصلة بالثورات الشعبية والهبات الجماهيرية، تلك التى يحذرنا منها البعض في الغرب، وكأنها "ألواح محفوظة" لابد وأن يتم ما فيها من تنبؤات زائفة.

هناك كذلك جانب الإبداع والابتكار الخلاق، والذي يجعل من "الليمون اللاذع شرابا حلو المذاق"، كما يقول أبو علم التنمية البشرية المعاصر "ديل كارينجي" الكاتب والمؤلف الأمريكي الشهير... ماذا يعني ذلك؟

يعني البحث عن قطاعات أخري يمكن عبر طاقة النفط الاستثمار فيها، وهو استثمار يدوم لأجيال وأجيال لاسيما إذا كانت من قبيل الصناعات التمويلية، فقد أخطأ أصحاب النفط طويلا في التعامل معه علي أنه مادة خام فقط، دون الاهتمام بما يعرف بالصناعات التحويلية، فبرميل النفط الخام الذي لا يتجاوز الأربعين دولاراً اليوم، حال تحويله إلي منتجات، عبر الصناعات البتروكيماوية، يمكن أن يتجاوز مردوده الثلاثة آلاف دولار.

الأمر الآخر الذي يمكن للطاقة النفطية أن تساهم فيه وبقوة كبيرة، يتصل بمحطات تحلية المياه، وتعظيم الاستفادة منها، لخلق كيانات زراعية كبيرة، وعملاقه في الدول المتوقع هبوط أسعار النفط فيها، وهذا نموذج تمضي روسيا في طريقه بقوة وفاعلية في الأعوام الأخيرة لمواجهة عقوبات الغرب وهبوط أسعار النفط تدفع الأزمة أيضا إلي التفكير الإبداعي، والذي صار يرتبط بعلم جديد ضمن علوم الاقتصاد يعرف بـ "اقتصاد الإبداع"، ومن بين طرائقه، إنشاء مجتمعات صناعية وتوفير أجواء ملائمة دوليا للاستثمارات الأجنبية، والتى لاشك ستقبل علي تلك المنطقة من العالم، إذا توافر لها قدر معقول من الطاقة وبأسعار متميزة، وهذا نموذج بدعت فيه دول آسيوية من قبل، في مقدمتها الصين، التى اجتذبت إليها صناعات ألمانية شهيرة، ما يعد إضافة إلي اقتصادها وناتجها القومي الإجمالي، بمعني أن تضحي بلد وسيط، قادر علي دفع عجلة الاقتصاد العالمي.

خيار آخر وليس أخير، وعلي درجة كبيرة من الأهمية، إذ قد يكون هذا الانخفاض للعرب نعمة في طريق إعادة اكتشاف طريق التكامل الاقتصادي، فهناك أقطار عربية تتوافر فيها فرص اقتصادية زراعية وصناعية، ولديها مقومات الأرض والموقع والثروة البشرية، لكن تعوزها الطاقة النفطية الكفيلة بتحويلها إلي دول منتجة، وتعد هذه بمثابة رصيد استراتيجي عربي ـ عربي، أن أحسن استغلال الأمر.

يحدثنا "ديل كارينجي" في كتابه العمدة "دع القلق وأبدأ الحياة" عن رجل في الغرب الأمريكي اشتري مائة فدان لجعلها مزرعة للموالح والفواكه، غير أنه اكتشف لاحقا أنها أرض مشققة مجدبة لا تضبط ماء ، مليئة بأشد أنواع الثعابين سمية... الطبيعي أنه كان سيكتئب إلي حد الموت لضياع ثروة عمره، غير أن التكفير الإيجابي الخلاق والمبدع، دفعه لاستغلال الألم وحوله إلي أمل، فقد جعل من الأرض مزرعة للثعابين يبيع سمومها النادرة لشركات الأدوية العالمية، وجلودها لتجار المصنوعات الجلدية الفاخرة حول الأرض، ولحومها لشركات خاصة تسوق هذا النوع من المأكولات، عطفا علي أنه جعل من ارض المزرعة مكان سياحي للمواطنين يدر عليه دخلا وفيراً.

أنه العقل الذي يجعل من الأمر نقمة أو نعمة... فهل للعرب التعاطي مع النفط عبر أسلوب كارنيجي ورجل الأفاعي؟

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com