ماما الخارقة
ماما الخارقةماما الخارقة

ماما الخارقة

"كنت مغفلة" .. جرت العبارة على لسان صديقتي في مرارة أدهشتني ، كنا نتحدث عن الاتجاهات المختلفة التي سارت فيها حياتنا ، هي اختارت أن تكون ربة منزل و هو ما تمنته هي دائما منذ الصغر، إلا أنها لم تعد واثقة الآن أنها اختارت الاختيار الصحيح ، و على الرغم من أنني قد اعترضت دائما على قرارها بإلقاء سنوات دراسة طويلة وراء ظهرها كأن لم تكن ، لكني كنت أبقي اعتراضاتي دائما مغلفة بالصمت ، إذ اعتدت دائما أن أمسك بلساني قبل اللحظة الأخيرة التي سألقي فيها بمحاضرتي العصماء عن استقلال المرأة و عملها ،ليس فقط لأن صديقتي لم تكن مثلي من أعضاء جمعية (المرأة المتوحشة) ، لكن لأنني أيضا أؤمن بأن كل شخص له طبيعة مختلفة تؤدي به لاختيارات مختلفة تناسب شخصيته ، إلا أن ما يبدو على صديقتي من حزن حيرني فقد كانت دائما تبدو راضية سعيدة باختيارها فلماذا الحزن الآن ؟،لم تكن بالطبع حزينة على اختيارها لأن تكون ربة عائلة تحب أفرادها و تسهر على راحتهم و و تضحي من أجلهم بوقتها و جهدها ، لكن يبدو أن صديقتي أدركت أخيرا أنها تريد من الحياة أكثر من ذلك

، لقد أدمنا كلنا صورة "الست أمينة" زوجة سي السيد التي طلقها بسبب خروجها لزيارة مسجد الحسين حين تآمرت عليها "السوارس" فصدمتها ، أو صورة "أمينة رزق " المقهورة دائما الباكية إلى أبد الدهر و ما بعده و كل "أمينة" أخرى و كأنها النسخة المعتمدة من الأمهات و لا غيرها ، هي دائما الأم المضحية التي لا تفكر بأي شيء في الحياة إلا أولادها و متطلباتهم و راحتهم و لا شيء غير ذلك ، و لا نرى نحن أية مشكلة في أن تتحمل أمهاتنا كل المسئوليات المتعلقة بنا و بحياتنا دون أن نفكر أنهن قد تخلين عن أن تكون لهن أسطورتهن الخاصة ، أو أن نظن أنهن قد يفكرن أن من حقهن أن يحلمن بإنجازات و نجاحات بعيدا عن إتقان فن لف محشي ورق العنب أو ترتيب المنزل أو الاستذكار لنا نحن أولادهن ، باختصار نحن نقدم الشكر و التقدير لأمهاتنا يوم واحد كل العام هو "عيد الأم"و لا ندرك أن خلف هذا اللقب إنسانة لها أحلام و أمنيات ، إنهن فقط "أمهاتنا" و مسئوليتهن الوحيدة هي إسعادنا ، و لا نفكر حقا فيما يمكن أن ينقص حياتهن و بما يضحين به من أجلنا ، بعيدا عن السهر بجانبا إن شعرنا بالتعب على غرار ما غنته فايزة أحمد " أنام و تسهري و تباتي تفكري "، أو توفير سبل الراحة لنا إن أتعبتنا الحياة ، أو توفير الملاذ عند غضب الأب مثلا و حمايتنا من ثورته ، نغفل دائما عن حقيقة أن أمنا ببساطة إنسانة تخلت عن حياتها بالكامل من أجل أن نبدأ نحن حياتنا ، صديقتي التي تعشق عائلتها و أولادها لا يمكنها أن تقاوم الشعور أحيانا بأن حياتها قد توقفت عندما تخلت عن عملها و تفرغت فقط لرعايتهم ، من جهة هي تشعر بأن ماتقوم به أعظم ما يمكن أن تقوم به امرأة في الحياة ، و من جهة أخرى تتراكم عليها ضغوطات الحياة فلا تجد متنفسا لنفسها و لو للحظات قليلة ، لا تجد وقتا لممارسة هواية أو قراءة كتاب ، و عندما تلح عليها الآن فكرة العودة لميدان العمل لا تجد حولها من يستطيع أن يشعر بحاجتها لهذا ، ليس من المنطقي بالطبع أن نحمل مسئولية شعورها هذا لأطفالها ، لكن ماذا عن الزوج الحاضر الغائب في تحمل مسئولية الصغار ، و الذي يشعرها بأنها امرأة مهملة إن فكرت يوما في نفسها و هو الشيء الذي يفعله هو طوال الوقت ؟ ، و ماذا عن مجتمع بأكمله يشعرها بأنها شخصية أنانية إن أرادت يوما أن تخصص وقتا لنفسها حتى تقوِّم فيه نفسيتها المتعبة من ضغوطات الحياة أو أن تصنع لها طريقا تصل في آخرة للنموذج الذي تحلم أن تكون عليه كإنسانة تفتخر بنفسها دون أن تتخلى عن دور (ماما الخارقة) التي ترعى و تخدم و تحمي كل أفراد عائلتها لكنها كما ترعى الجميع فمن حقها أن ترعى أيضا نفسها .

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com