قانون التظاهر.. وسياسة الرجل المريض !
قانون التظاهر.. وسياسة الرجل المريض !قانون التظاهر.. وسياسة الرجل المريض !

قانون التظاهر.. وسياسة الرجل المريض !

المستشار صادق رمضان

إبان حكم الدولة العثمانية، حيث كانت تخضع كل بلدان الشرق الأوسط والأدنى لحكم السلطان العثمانى باعتبارها ولايات أو أقاليم تتكون منها الامبراطورية العثمانية، كان السلطان القابع فى الآستانة هو وحده المختص بتعيين الولاة وإصدار الفرمانات (الأوامر) لهم، وكانت العلاقة بين الولاة والسلطان تمر بظروف مختلفة من حيث قدرة الوالي فى الاستجابة لأوامر السلطان من عدمه، فإذا كان السلطان ضعيفًا زادت قوة الوالي وعظم نفوذه.

وخير مثال على ذلك والي مصر محمد علي باشا، الذى قاد حروبًا عديدة ضد الدولة وانتزع مساحات شاسعة من أراضيها حتى وصل بقواته إلى جانب اليونان، وكان ذلك فى فترات ضعف الدولة العثمانية والتي اصطلح على تسميتها في أوقات الضعف بـ(الرجل المريض)، وهذا كناية عن ضعف الدولة الشديد.

وإبان حكم الزعيم جمال عبد الناصر، بسطت السلطة فى مصر سطوتها على الشعب استنادا إلى شخصية الزعيم، حتى كان الناس يتمازحون بنشر طرفة، ملخصها أنه بعد تشكيل مجلس الأمة، وقف أحد النواب ليسأل أين الأرز وأين السكر، وفي اليوم التإلى وقف نائب آخر يسأل أين الأرز وأين السكر وأين زميلي الذى كان بجوارى أمس، فى إشارة إلى قوة السلطة وبسط سيطرتها القمعية.

وأثناء زيارة قام بها الدكتور أحمد نظيف رئيس وزراء مصر الأسبق للولايات المتحدة، أدلى بتصريح خطير لوسائل الإعلام مفاده أن الشعب المصرى غير مهيأ لأن يُحكم بالنظام الديمقراطي، ووقتها هوجم الرجل هجومًا عنيفًا، ولكنه –في الحقيقة- كان صادقًا ومنطقيًا مع نفسه،

ومن خلال هذه المقدمة الطويلة، أردنا بيان وإيضاح أن سلطة الدولة كحياة البشر تمر بلحظات قوة ولحظات ضعف، والسلطة في مصر حافظت على قوتها منذ قيام ثورة يوليو حتى مظاهرات 25 يناير 2011 رغم مرورها بأزمات طاحنة أعنفها نكسة يونيو 1967.

وبتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة مسؤولية الحكم فى الفترة اﻻنتقالية اعتبارًا من 11 فبراير 2011، ظهر بوضوح انعدام الخبرة بشؤون الحكم، باعتبار أن هذا المجلس لم يُعد لذلك ولم يتصور أو يتخيل أن يأتي يوم يجد فيه نفسه فجأة على قمة السلطة، فبدا عليه التردد والعشوائية في اتخاذ قرارات مصيرية، وتعويضا عن هذه السلبيات فقد استعان بما سُمي بـ"المجلس اﻻستشارى" الذي كان يحتاج في الأساس لمن يستشيره.

كل هذا التخبط ومع توهم المجلس العسكري ومبالغته دون سبب، لقوة التيار المسمى بالإسلامي من جهة، والضغط عليه من الحركات المسماة بالثورية مثل 6 إبريل وكفاية، وكذلك من اعتقدوا أنهم حصلوا على صك بملكية مصر لأنهم أمضوا عدة أيام يهتفون بسقوط النظام من جهة أخرى، كل هذه الأمور أدت إلى النهاية المتوقعة والطبيعية وهي إزاحة المجلس العسكري، وتسريح كل القوى التي ادعت أحقيتها بامتلاك الثورة، واستولى الإخوان وحدهم وﻻ شريك لهم على كل مقاليد السلطة، حيث ارتكبوا من الأخطاء والجرائم في حق مصر ما يحتاج لبيانه عشرات الكتب.

وظل الأمر كذلك حتى فاض الكيل بأغلبية الشعب المصري وأطيافه الصامتة، وتبين للقوى المسماة بالثورية أن ثورة مصر ضاعت منهم عن طريق السرقة بالإكراه، وتصاعدت الأحداث وتكاتفت الأمة على ضرورة الخلاص من حكم محمد مرسي وإخوانه وتحقق لهم ذلك.

ولما كانت تداعيات أحداث بهذا الشكل، وأصبح للدولة شركاء متشاكسون، واقتنعت كل طائفة بأنها وحدها صاحبة الحق فى رسم سياسة مصر وتحديد مستقبلها، انتشرت الفوضى وضاعت هيبة الدولة لدرجة أنه لم تصدر حتى الآن أية أحكام نهائية ضد رموز نظام الحكم السابق أو الأسبق حتى يتحقق الردع العام، حتى صدر حكم بحبس فتيات الإسكندريه الذي أثار الناس، لأنهم ينتظرون أحكامًا ضد القيادات لا على التابعين.

ضاع القانون وشعر كل مواطن أنه يمكنه فعل ما يريد دون خوف من سلطة مرتعشة، لم تعاقب من اعترف علنًا بحرق المجمع العلمي بل وأخلت سبيل شباب الألتراس الذين حطموا واجهة مطار القاهرة بعد سدادهم لثمن التلفيات، وكأنهم يرسخون في نفوس وعقول الشباب أنه بإمكانهم إتلاف وتدمير مصر شريطة أن تدفع قيمة التلفيات !!!

ومع انتشار الفوضى فى البلاد، رأت الحكومة أنها مضطرة لإصدار قانون تنظيم الحق في التظاهر الذي أدى إقراره إلى موجة عنيفة من الجدل ما بين مؤيد ومعارض إلا أنه كشف بعض النقاط التي يمكننا استخلاصها ومنها :

(1) الوقت الذي صدر فيه القانون لم يكن مناسبًا أو ملائمًا لإصداره.

(2) القوى المضادة والتي لها ارتباطات بالخارج، والتي تتحين الفرصة للانقضاض على مكاسب 30 يونيو بمساعدة الإخوان وغيرهم.

(3) القوى المضادة كشفت بوضوح عن وجهها القبيح وخرجت لتتظاهر ليس رفضًا للقانون، ولكن إيمانًا بعدم أحقية الحكومة أو أي جهة في إصدار تشريعات لأنهم يرون أنفسهم وكما قلنا يحوزون صك ملكية الدولة.

(4) ما يحدث في مصر ليس تظاهرات سلمية، وإنما أعمال عنف إجرامية ﻻ يمكن مواجهتها إﻻ بقانون العقوبات، وفيه ما يكفي شريطة التخلي عن مبدأ حطم واتلف وادفع ثمن ما أتلفت، تنجو من العقاب.... إن مصر تنادي أبناءها (أليس منكم رجل رشيد؟)!

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com