هيكل والنفط ودولة غزة العريش
هيكل والنفط ودولة غزة العريشهيكل والنفط ودولة غزة العريش

هيكل والنفط ودولة غزة العريش

في زيارته الأخيرة لدبي قال الأستاذ محمد حسنين هيكل إنه امتنع عن زيارة دول النفط خلال العقود الثلاثة الماضية وهو صريح في هذه العبارة جدا لأنه نأى بنفسه عن زيارة دول الخليج العربي، وكنت التقيته في الكويت في طريق عودته من طهران بعد نجاح الثورة الإيرانية بفترة قصيرة في أواخر السبعينيات واستغربت قوله إنها المرة الأولى التي يزور فيها الكويت. وشرح لي كيف أن وزير الدفاع والداخلية وكان وقتها المرحوم الشيخ سعد العبد الله استقبله استقبالا رسميا في مقر الوزارة مع حرس الشرف والموسيقى وقال إنها المرة الأولى التي يستقبل فيها بهذه الطريقة الرسمية. وتساءل "هم بيقروا لي" فقلت نعم وإلا لماذا هذه الحفاوة بك إن كانوا لا يعرفون شيئا عنك؟

هيكل الكبير ما زال حتى الآن متقد الذهن سريع البديهة يختمر المعلومات ويعيد تحليلها بصفاء الشباب. لم تنل منه العقود القريبة من التسعة وظل مرجعية إعلامية عملاقة هي الأهم عربيا ودوليا وكنت عندما أزوره في مكتبه في بناية خلف شيراتون القاهرة يحدد الموعد عند الثامنة صباحا ويستغرب قبولي بالموعد لأنه يعلم أن مثقفي وإعلاميي القاهرة يستيقظون متأخرين، وعند تمام الثامنة كنت أمام باب مكتبه المواجه لشقته السكنية فيفتح النادل الباب وهو بملابسه الرسمية مع انحناءة رسمية ويقودني الى مكتب الأستاذ المتواضع ثم بعد دقيقة يرن الجرس فيعود النادل لفتح الباب ليدخل الاستاذ وبعد السلام يجلس وراء مكتبه وفي لحظة جلوسه يضع النادل فنجان القهوة الساخن أمامه والبخار يتصاعد منه ويفتح الأستاذ علبة السيجار ويتناول واحدا ويقصه بمقص خاص ثم يشعله ويقول "أنا حديك ساعة وانت تديني ساعة" بمعنى انه سيسأل ساعة ويتيح لي أن اسأله ساعة؛ فالرجل يستمع كثيرا ويقرأ كثيرا وجنوده في مكتبه يطالعون كل الصحف والكتب ويحتفظون بما يهمه فيها لتقديمه إليه لقراءته فهو كما يقول "جورنالجي" يكتب فجرا وليس ليلا مثل الشعراء.

في إحدى الزيارات بعد توقيع اتفاق اوسلو بقليل في كانون الأول/ سبتمبر 1993 قال وهو ينظر إلى باب مكتبه على يمينه: من هذا الباب دخل أبو عمار وأبو إياد ذات سنة في السبعينيات كانا قادمين من الاسكندرية حيث التقيا الرئيس السادات، فتوجه أبو عمار الى الحمام لغسل وجهه من تعب السفر وهمس أبو إياد في أذني( حاول إقناعه برفض ما سمعه من السادات حول دولة غزة العريش، حيث عرض السادات على عرفات تمديد حدود غزة مسافة إلى 70 كيلومترا داخل سيناء بطلب أمريكي إسرائيلي) وبالطبع فإن هيكل الخبير في الإقناع كان قادرا على إيضاح خطورة المعروض الذي لم ير النور قط وإن عرضه الإسرائيليون في نهاية الفترة الانتقالية لأوسلو أي دولة فلسطينية في غزة وجزء من سيناء.. وما أعيد طرحه أمريكيا بموافقة جماعة الإخوان وفقا لوثيقة سرية وقعها خيرت الشاطر مع الإدارة الأمريكية. ولعل الاستاذ هيكل هو الوحيد القادر على التحليل السياسي استنادا إلى مخزونه الوثائقي وذاكرته الشاملة التي لا تنسى التفاصيل.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com