حرائق إسرائيل.. محاور قد تركز عليها لجان التحقيق لمحاسبة حكومة نتنياهو؟
حرائق إسرائيل.. محاور قد تركز عليها لجان التحقيق لمحاسبة حكومة نتنياهو؟حرائق إسرائيل.. محاور قد تركز عليها لجان التحقيق لمحاسبة حكومة نتنياهو؟

حرائق إسرائيل.. محاور قد تركز عليها لجان التحقيق لمحاسبة حكومة نتنياهو؟

يحاول سكان حيفا شمالي إسرائيل، استيعاب حجم الخسائر الناجمة عن الحرائق، التي أتت على مساحات شاسعة من الأحراش والغابات طوال الأيام الخمسة الأخيرة، فضلا عن ممتلكاتهم الخاصة، وذلك بعد أن أعلنت السلطات الإسرائيلية نجاحها في إخماد تلك الحرائق، فيما تتواصل الجهود للسيطرة على بعض البؤر في مناطق متفرقة، مثل مستوطنة معالية أدوميم بالقدس المحتلة، ومستوطنة حلاميش شمال غرب رام الله.

وتتحدث تقارير إسرائيلية حاليا عن تحقيقات لا مفر منها بشأن طريقة أسلوب إدارة الحكومة والسلطات المعنية لتلك الكارثة الكبرى، ولا سيما وأن السنوات العشر الأخيرة شهدت العديد من المناورات والتدريبات على مستوى الجبهة الداخلية، شاركت فيها سلطة الإطفاء والإنقاذ، لمواجهة حرائق ضخمة قد تنجم عن هجمات صاروخية، وكلفت ملايين الدولارات.

وسلسلة الحرائق التي ضربت إسرائيل منذ الثلاثاء الماضي جراء موجة الجفاف، وتسببت سرعة الرياح في صعوبات كبيرة في السيطرة عليها ومنع انتشارها، كشفت النقاب عن أزمة خطيرة، تتعلق بعدم استخلاص الدروس التي نجمت عن حرب لبنان الثانية عام 2006 أو الحرائق الكبرى التي ضربت البلاد في السنوات والعقود الأخيرة.

خسائر بالجملة

وأظهرت مقاطع فيديو التقطتها طائرة بدون طيار عودة الحياة إلى طبيعتها في حيفا، وبدت حركة السير منتظمة، فيما ظهرت آثار الحرائق على جانبي طرق السير، وإلى جوار بنايات يبدو وأنها لم تتضرر بشكل كبير.

وحتى الآن لم تنشر تقارير نهائية بشأن الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد الإسرائيلي، جراء موجة الحرائق التي ضربت البلاد، لكن بعض التقارير رصدت الخسائر الأولية، وتحدثت عن عشرات الملايين من الدولارات التي سيتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي.

وأتت النيران على قرى ومستوطنات بالكامل، كما تضررت بشكل جزئي مناطق عديدة. وبحسب تقديرات وضعها اتحاد مقاولي أعمال الترميم والصيانة، فإن قرابة 1000 منزل تضرر في أنحاء البلاد، من بينهم 700 منزل في حيفا، وأن إعادة ترميم هذه المنازل تتطلب قرابة 180 مليون شيكل (الدولار يساوي 3.8 شيكل).

وقدر هذا الاتحاد، أن ترميم المنازل المتضررة في المناطق الشمالية وحدها، ولا سيما في مستوطنة زخرون يعكوف وفي مدينة حيفا والمناطق المحيطة بها تتطلب قرابة 100 مليون شيكل.

وأشارت مصادر، إلى أن كلفة ترميم البنايات المتضررة تفوق بكثير الكلفة التي خصصت لهذا الغرض إبان عدوان "الجرف الصامد" قبل عامين لترميم منازل تقع في محيط قطاع غزة، حيث بلغت الكلفة وقتها قرابة 60 مليون شيكل.

وعقب عدوان  "عمود السحاب" قبل أربعة أعوام، تطلب ترميم منازل تقع في مستوطنات غلاف غزة قرابة 30 مليون شيكل فقط. ويكمن السبب في ذلك أن الضرر الذي لحق بالمنازل إبان العدوان الإسرائيلي على غزة في السنوات الأخيرة، نجم عن تعرض تلك المنازل لإصابات غير مباشرة بصواريخ حماس، لكن هذه الحرائق أتت على منازل بالكامل.

وفي المجمل ستبلغ كلفة ترميم المتر الواحد قرابة 2000 شيكل، بحسب تقديرات خبراء إسرائيليين في مجال المقاولات.

سر وثيقة تأمين

وعملت الحكومة الإسرائيلية جاهدة من أجل تصوير تلك الحرائق على أنها عمل إرهابي، وأدركت أن الخيط الذي سيقودها إلى ذلك هو أن مواقع التواصل الاجتماعي ستكتظ بالتعليقات التي ستربط بين الحرائق وبين قانون "المؤذن"، وبالتالي كان من السهل الحديث عن عرب يشعرون بالاحتقان  جراء هذا القانون، بدأوا في نوع جديد من الأعمال الإرهابية، طبقا لرواياتها.

وسهل توقيت الحريق بعد أيام من المصادقة على "قانون المؤذن" على الحكومة الإسرائيلية، اختلاق روايات حول أشخاص تم رصدهم خلال إشعال بعض الحرائق في بؤر مختلفة، وبلغ الأمر ذروته في حديث بعض وسائل الإعلام العبرية عن جماعة سلفية جهادية تعمل من قطاع غزة، أعلنت مسؤوليتها عن حرائق حيفا.

ويعتقد مراقبون، أن تلك الخطوة التي قابلتها انتقادات إسرائيلية واسعة، تتعلق بملف التعويضات التي سيطالب بها آلاف المتضررين جراء الحرائق.

وتلتزم الدولة بتعويض المتضررين في حال كان الحديث يجري عن كارثة طبيعية، لكن في حال اعتبر الحديث عن عمل إرهابي، فإن القانون يسمح بتعويض من يمتلكون وثيقة تأمين على المسكن فحسب. وتشير إحصائيات في هذا الصدد إلى أن 60% من الإسرائيليين لديهم وثيقة تأمين على المسكن.

فساد مالي

وفتحت تلك الحرائق الباب أمام الحديث عن اتهامات بالفساد تطال الحكومة ولا سيما وزارة الأمن الداخلي، التي لم تستغل عشرات الملايين من الدولارات في تطوير وسائل وآليات الإطفاء ومواجهات الكوارث المماثلة.

وأظهرت تقارير، أن الموازنة المخصصة لسلطة الإطفاء والإنقاذ عام 2015 بلغت 312 مليون شيكل، لم تنفق منها الوزارة سوى 43% فقط. كما أفادت التقارير أن الموازنة المخصصة لتلك الهيئة العام الجاري بلغت 445 مليون شيكل، بزيادة قدرها 133 مليون شيكل، فيما تقرر تخفيض تلك الموازنة لعام 2017 لتصل إلى 280 مليون شيكل فقط.

وأنفقت وزارة الأمن الداخلي طوال السنوات الثلاثة الأخيرة، أقل من نصف الموازنة المخصصة لسلطة الإطفاء، على شراء معدات جديدة وصيانة تلك المستخدمة، ويعد هذا المحور من المحاور الأساسية، التي يتوقع أن تركز عليه التحقيقات التي ستبدأ حتما في الأيام والأسابيع القادمة، فضلا عن تقارير جهاز مراقب الدولة والتي ستصدر بعد ذلك.

كارثة الإخلاء

ويشير مراقبون، إلى أن ثمة مشاكل أخرى في مسألة إخلاء المواطنين وقت الكوارث، وأن المؤسسات الإسرائيلية المعنية لم تُفعل أو أنها لا تمتلك خطة جاهزة للتعامل مع هذا الوضع، على الرغم من أن السنوات الماضية شهدت عشرات المناورات على مستوى الجبهة الداخلية.

وتبين أن غالبية عمليات الإخلاء تمت عبر سيارات المواطنين، حيث اصطحب الإسرائيليون جيرانهم أو ذويهم إلى مناطق تم تحديدها، على خلاف الصورة التي رسمتها المناورات المشار إليها، والتي أوحت ان عمليات الإخلاء ستتم بكل سهولة.

وتسببت حالة الهلع ومحاولات الفرار العشوائي من قبل الإسرائيليين بسياراتهم الشخصية إلى تكدسات مرورية قاتلة، أدت إلى تعطيل وصول قوات الإطفاء إلى مناطق عديدة مشتعلة في الأوقات المناسبة، ما تسبب في صعوبات إضافية تنضم إلى مسألة سرعة الرياح والجفاف.

شبكات الاتصال

وبحسب بعض التقارير، فقد واجهت عمليات إخلاء السكان في حيفا ما يمكن وصفها بالكارثة، حيث تبين أن الكيانات المكلفة بالإخلاء والتعامل مع الكوارث القومية، وعلى رأسها سلطة الطوارئ والإنقاذ، لا تمتلك شبكات إتصال مشتركة مع الكيانات الأخرى المختصة، ومنها الشرطة وقوات الإطفاء ومرفق نجمة داوود الحمراء، وقيادة الجبهة الداخلية، وجهاز حماية البيئة، حيث عملت كل هذه الأجهزة بشكل منفصل.

واستعانت تلك الكيانات بالاتصالات عبر الهواتف النقالة أو عبر شبكات اللاسلكي، في وقت انهارت فيه الاتصالات وشهدت شبكات الهواتف النقالة حالة من التشويش.

ومن المتوقع أن تكون تلك النقطة أيضا على رأس النقاط التي ستطرح خلال التحقيقات المرتقبة، ولا سيما وأن هناك تحذيرات في هذا الصدد منذ قرابة عقدين، بعد أن تبين أن إسرائيل لا تمتلك الوسائل المتقدمة التي توصلت إليها غالبية الدول الغربية.

أكذوبة الجاهزية

ولا تتوقف المناورات الإسرائيلية على مستوى الجبهة الداخلية منذ سنوات طويلة، ولا سيما عقب حرب لبنان الثانية، وتجري هذه المناورات بشكل دوري بحضور مراقبين ومندوبين عن عشرات الدول حول العالم.

وتستطيع الدولة العبرية تحقيق مكاسب كبرى من تلك المشاركات، حيث تترجمها إلى واقع عملي يتمثل في إرسال خبراء لتدريب الأجهزة المختصة في دول عديدة، محققة بذلك أرباحا على العديد من الأصعدة.

وشهد شباط/ فبراير الماضي، نموذج حي لأكذوبة التفوق الإسرائيلي في تأمين الجبهة الداخلية وقت الحرب والكوارث الطبيعية، حيث أجريت مناورات ضخمة على مستوى الجبهة الداخلية، تضمنت محاكاة سيناريو تعرض البلاد لقصف صاروخي مكثف.

وخلال المناورة كان على قرابة مليوني طالب النزول إلى الملاجئ المحصنة والقيام بعمليات إخلاء فورية.

وأجريت تلك المناورات بحضور مراقبين من دول مختلفة، أشادوا بالإجراءات الإسرائيلية فيما يتعلق بمنظومة الإخلاء والتعامل مع كارثة كبرى على المستوى القومي، وتحدثت مصادر عن رغبة ملحة في استنساخ التجربة الإسرائيلية في هذا الصدد.

وتظهر الكارثة الحالية أن تلك المناورات كانت أشبه بعمل مسرحي، وأنه لا يمكن التعويل عليها لو وضع بالاعتبار التعرض لكارثة فعلية،  حيث أثبتت الحرائق مدى العجز وعدم القدرة على الاستفادة من تلك المناورات في الأوقات الحقيقية، وهو ما حدث أيضا خلال قصف شمال إسرائيل إبان حرب لبنان الثانية بواسطة حزب الله.

دبلوماسية الكوارث

ورغم كل ذلك، من الممكن ملاحظة بعض النقاط التي ستعول عليها الحكومة الإسرائيلية في دفاعها أمام لجان التحقيق المرتقبة، تتمثل في البداية بحقيقة أن جميع تلك الحرائق لم تؤد إلى مقتل أي مواطن، حيث يجري الحديث عن عشرات إلى مئات الإصابات جراء استنشاق الدخان الكثيف، فضلا عن حالات أصيبت بالهلع والصدمة تم نقلها إلى المستشفيات والمراكز الطبية.

وتعد "دبلوماسية الكوارث"، هي الإنجاز الأهم الذي تعول عليه الحكومة الإسرائيلية حاليا، وهو مصطلح تردد كثيرا في السنوات الماضية، في إشارة إلى أن لديها أصدقاء يؤازرونها وقت الأزمات، على الرغم من الخلافات السياسية وربما العداء المتبادل.

وعرضت العديد من الدول، منها اليونان وقبرص وروسيا وتركيا ومصر والأردن والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى كثيرة، مساعدة إسرائيل في عمليات الإطفاء، وبرز الدور الرمزي الذي باشرته السلطة الفلسطينية في هذا الصدد، حيث سلط الإعلام الإسرائيلي الضوء على مشاهد رجال الإطفاء الفلسطينيين بشكل استثنائي.

بدأ هذا النوع من الدبلوماسية عام 2010، عقب أزمة "أسطول الحرية" بين أنقرة وتل أبيب، ووقتها وصلت العلاقات إلى أدنى مستوياتها، ومع ذلك، عرضت تركيا مساعدة إسرائيل في إخماد حرائق الكرمل الكبرى حينذاك. ووقتها لم يتوقف المراقبون  الإسرائيليون عن طرح هذا المصطلح، واعتبروا أن ما أفسدته السياسة ستصلحه الكوارث الطبيعية.

وتعرضت تركيا لزلزال بقوة 5.9 بمقياس ريختر، في آيار/ مايو 2011، ووقتها عاد المصطلح للظهور من جديد، حين عرضت إسرائيل مساعدة أنقرة لتلافي آثار الزلزال، ولم يمانع الجانب التركي.

ومع ذلك، تطلبت العلاقات التركية – الإسرائيلية خمسة أعوام إضافية، قبل أن تترجم دبلوماسية الكوارث إلى اتفاق مصالحة، ما يدل على أن العروض التي تقدمت بها بعض الدول أو السلطة الفلسطينية لمساعدة إسرائيل قد تسير في الاتجاه ذاته وأنها لن تحمل المزيد من الدلالات.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com