تشابك العلاقات التركية الإيرانية يقف حائلًا دون أي توتر بين البلدين
تشابك العلاقات التركية الإيرانية يقف حائلًا دون أي توتر بين البلدينتشابك العلاقات التركية الإيرانية يقف حائلًا دون أي توتر بين البلدين

تشابك العلاقات التركية الإيرانية يقف حائلًا دون أي توتر بين البلدين

تطرح التصريحات العدائية والتبادل المتكرر للاتهامات، بين المسؤولين الأتراك والإيرانيين، التي تتناولها وسائل الإعلام بين الحين والآخر، تساؤلات حول مستقبل العلاقات ومدى جدية تلك التصريحات وإمكانية خلقها لتوترات مستقبلية على الرغم من تشابك المصالح بين الدولتَين المحوريتَين في المنطقة.

وفي ظل حكومة حزب العدالة والتنمية  ذات الجذور الإسلامية، شهدت العلاقات بين البلدَين ازدهارًا، بعد عقود من المواقف السلبية التي اتخذتها الحكومات التركية العلمانية المتعاقبة ضد إيران.

"الطائفية" تعكر صفو العلاقات

آخر التوترات كان الأسبوع الماضي، إذ استدعت طهران السفير التركي لديها، رضا هاكان تكين، احتجاجًا على التصريحات الأخيرة لنائب رئيس الوزراء التركي والمتحدث باسم الحكومة، نعمان كورتلموش، التي اعتبر فيها أن "السياسة المذهبية لإيران هي سبب التوترات الموجودة في العراق.

كما توجّه طهران اتهامات لأنقرة بدعم تنظيمات تصفها بالإرهابية في سوريا والعراق، في إشارة إلى أن التدخل التركي في القضيتَين السورية والعراقية قائم على أسس طائفية.

تضارب في المصالح أم مجرد زوبعة ؟

ويرى مراقبون أن تلك التوترات التي تظهر على السطح بين الحين والآخر "مجرد زوبعة إعلامية، تخدم الخطاب الرسمي لساسة البلدَين، وتتسم بالآنية، وليس لها تبعات تذكر، ولا تؤثر في العلاقات والمصالح الأمنية والاقتصادية المشتركة".

ولا يألُ الجانبان جهدًا في التهجم على سياسات الآخر وتوجيه الاتهامات في ظل تضارب المصالح السياسية ووقوف الدولتَين على طرفي نقيض حيال الأزمتَين السورية والعراقية؛ إذ تدعم طهران كل من بغداد ودمشق، في حين تتخذ أنقرة موقفًا معاديًا لهما.

الاقتصاد يجمع ما فرقته السياسة

وتتميز العلاقات التركية الإيرانية بمتانة التبادل التجاري وتشابك المصالح الاقتصادية، وتمكن الجانبين خلال تاريخ طويل من العلاقات من الفصل بين الملفَين السياسي والاقتصادي، عبر تحييد المصالح الاقتصادية عن المواقف السياسية.

وتُعدّ إيران أرضًا خصبة للاستثمارات التركية وبشكل خاص بعد رفع العقوبات الغربية عنها، إذ شهدت الأعوام الأخيرة تأسيس أكثر من 100 شركة تركية على الأراضي الإيرانية.

وخلال زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى إيران، في نيسان/إبريل الماضي، وقّع الجانبان اتفاقيات مشتركة في مجالات الطاقة والاستثمار والسياحة بقيمة 10 مليارات دولار، واتفقا على تزويد إيران لتركيا بالنفط مقابل أن تقوم تركيا بإعادة تأهيل سكة حديد خط إرماق- كرابوك؛ والذي تقدر تكلفته بـ80 مليون يورو.

ووفقًا لمعهد الإحصائي التركي، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 9.7 مليار دولار، العام 2015.

ولم يمنع حذر تركيا من الإيرانيين وطموحاتهم الإقليمية، من بناء علاقة فعلية وتعاون اقتصادي متين، لا سيما في مجال الطاقة؛ إذ تمثل إيران أحد المصادر الرئيسة التي تعتمد عليها تركيا المتعطشة للطاقة لتأمين إمدادات الغاز الطبيعي، وتستورد 10 مليارات م3 من الغاز الطبيعي الإيراني كل عام.

وخلال فترة العقوبات الدولية؛ ساعدت العلاقات الاقتصادية إيران على إيجاد متنفّس لها.

رحلات سياحية

وتستقبل تركيا سنويًا الآلاف من السياح الإيرانيين، وتواصل الشركات السياحية الإيرانية رحلاتها إلى تركيا وبشكلٍ خاص إلى أنطاليا غرب تركيا.

ويفضل الكثير من الإيرانيين قضاء عطلة عيد "النيروز" في تركيا، وسبق أن صرح مسؤول الجولات السياحية في إيران، بابك نعمت بور، إن عطلة عيد النيروز في 21 آذار/مارس الماضي، شهدت زيارة نحو 40 ألف سائح إيراني إلى مدينة أنطاليا التركية.

وفي 23 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وصلت القافلة الأولى من السياح الإيرانيين إلى ولاية دنيزلي التركية، تطبيقًا للاتفاق المبرم بين طهران وولاية دنيزلي التركية، التي تنص على وصول قوافل من السياح الإيرانيين سيتوافدون على شكل مجموعات مؤلفة من 300 سائح مرة واحدة في الأسبوع إلى الولاية التركية مدة سنة كاملة، ليصبح عدد السياح الإيرانيين الزائرين للولاية التركية قرابة 20 ألف سائح في عام واحد.

وتحاول تركيا إنعاش قطاع السياحة المتهالك، الذي تعرض خلال العام الأخير لانتكاسة خطيرة على خلفية التوترات الأمنية والحرب العرقية مع المقاتلين الأكراد، والتفجيرات الإرهابية، وغموض المشهد السياسي، الذي تجسد بعملية انقلابية كادت تطيح بالحكومة منتصف تموز/يوليو الماضي.

أنقرة تسترضي طهران على حساب حلفائها الخليجيين

ومع إصرارها على الحفاظ على متانة علاقاتها مع طهران؛ وجهت أنقرة ضربة لعلاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، إذ صرح سفير تركيا لدى إيران، رضا هاكان تكين، أمس الأربعاء، أن حكومة بلاده ترفض الاعتراف بأن الجزر الثلاث المحتلة من قبل إيران: طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، تعود للإمارات العربية المتحدة، معتبرًا أن "هذه الجزر إيرانية وتركيا تدعم ذلك".

وقال تكين في مقابلة مع وكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية إن "تركيا دعمت إيران في كثير من الأوساط الدولية، وفعلًا حاولنا مساعدة إيران في قضية الجزر الثلاث والقضايا المرتبطة بها في اجتماع الرياض، الذي عقد قبل 10 أيام بمشاركة وزراء خارجية دول مجلس التعاون، حيث صدر بيان شدید اللهجة ضد إيران بشأن الجزر الثلاث وسياساتها الإقليمية، لكننا حاولنا تغيير النص قليلًا وتلطيفه".

وجاءت تصريحات السفير التركي، بعد أن انتقدت الخارجية الإيرانية، موقف الحكومة التركية الداعم للإمارات باستعادة جزرها الثلاث المحتلة من قبل طهران.

وكان وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، أعرب في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره التركي، مولود جاووش أوغلو، خلال زيارته إلى أنقرة، في 16 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، عن شكر بلاده لموقف تركيا ووقفها مع الإمارات حول استعادة الجزرة المحتلة من قبل طهران.

وفرضت إيران سيطرتها على الجزر الإماراتية الثلاث العام 1971، عشية إعلان استقلال وقيام دولة الإمارات في 2 كانون الأول/ديسمبر من العام ذاته.

ويشكل تنصل تركيا من اعترافها بأحقية الإمارات بالجزر المحتلة، ضربة للعلاقات التركية الخليجية، التي شهدت فترة من الهدوء والتقارب منذ كانون الثاني/يناير 2015، بعد أن عاشت أعوامًا من التوتر على خلفية محاولات التفرد بإدارة أزمات المنطقة، بالإضافة إلى دعم أردوغان، لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي لا تحظى بدعم دول مجلس التعاون الخليجي وتصنفها لدى بعضها على أنها "منظمة إرهابية".

التقارب الأمني وتطويق الأكراد

وفي ظل امتداد الحدود المشتركة بين تركيا وإيران لحوالي 500 كلم، يجمع الأتراك والإيرانيين هاجس أمني يتمثل بالخطر الكردي، ونظرة مشتركة حيال تطويق الأكراد والتصدي لطموحاتهم في إقامة "كردستان الكبرى" التي تضم أراضي واسعة من تركيا وإيران.

وكانت تركيا أغلقت منتصف آذار/مارس الماضي، أحد منافذها الحدودية مع إيران بهدف القيام بحملة عسكرية ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني (PKK).

وكان خط أنابيب الغاز الذي يزود تركيا بالغاز الإيراني، عبر ولاية آغري شرق تركيا، تعرض للتخريب في تموز/يوليو 2015.

وسبق أن تعهدت أنقرة لدى استقبال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في 12 آب/أغسطس الجاري، بالتعاون مع طهران لإيجاد حل للنزاع في سوريا، رغم الاختلافات الجوهرية في مواقف البلدَين، لتأتي تصريحات الجانبَين متوافقة حول وحدة الأراضي السورية، ما قد يتعارض مع المشروع الكردي الرامي إلى إقامة إقليم كردي داخل الأراضي السورية.

ويرى سياسيون أكراد سوريون، أن المخاوف من قيام كيان كردي في سوريا؛ ساهمت في تقارب تركيا وإيران، الدولتَين اللتين تعانيان من حراك كردي، نشط في الآونة الأخيرة، لتحقيق المطالب الكردية، ما قد يضع أكراد سوريا المدعومين من الولايات المتحدة الأمريكية، ضمن أية صفقة محتملة مستقبلًا بين أنقرة وطهران.

الاتجاه شرقًا

وفي الوقت الذي يؤكد محللون غربيون أن تركيا، الدولة المسلمة الوحيدة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وصاحبة ثاني أكبر الجيوش فيه، لا تستطيع الاستغناء عن الغرب، يبدو أن التوجه التركي الجديد بتطبيع العلاقات مع موسكو وإيران، والقوى الصاعدة في دول "البريكس" بشكل عام، يعكس محاولات أردوغان للضغط على حلفائه الغربيين، للحصول على مكاسب سياسية.

وعززت أنقرة من توجهها الجديد شرقًا عقب البرود الذي شاب علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية دعم واشنطن لأكراد سوريا، ووقوفها لفترة طويلة حائلًا دون الطموحات التركية في إقامة منطقة عازلة في سوريا، وآخر تلك الخلافات جاءت عقب انقلاب تركيا الفاشل، إذ تستمر أنقرة بمطالبة واشنطن بتسليم الداعية الإسلامي المعارض، محمد فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، والمتهم الأول بالوقوف وراء الانقلاب.

كما تحاول أنقرة الضغط على الأوربيين، بعد التوترات المتكررة مع الاتحاد الأوروبي، في ظل توجيه انتقادات للحكومة التركية وأردوغان بتقييد الحريات العامة والمساس بمبدأ فصل السلطات، بالإضافة إلى عرقلة مساعي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي.

ويبدو أن تشابك العلاقات التركية الإيرانية، قائم على أسس من التعاون الأمني والمصالح الاقتصادية والتجارية، بالإضافة إلى ما تشكله إيران من أهمية لتركيا، لمواجهة خلافاتها مع واشنطن وبروكسيل، ما يقف حائلًا دون أية توترات مستقبلية وإن ظهرت على السطح بين الحين والآخر تصريحات تشي بغير ذلك.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com