كيف يسهم الغاز في تحسين العلاقات بين إسرائيل وتركيا؟
كيف يسهم الغاز في تحسين العلاقات بين إسرائيل وتركيا؟كيف يسهم الغاز في تحسين العلاقات بين إسرائيل وتركيا؟

كيف يسهم الغاز في تحسين العلاقات بين إسرائيل وتركيا؟

على هامش قمة للأمن النووي شهدتها واشنطن في آذار/ مارس الماضي، عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اجتماعًا مغلقًا مع وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز، في أول اتصال رفيع المستوى بين البلدين منذ توتر العلاقات الدبلوماسية بينهما قبل سته أعوام.

وناقش الاجتماع -الذي استمر بين 20 و30 دقيقة، ولم يتم الكشف عن تفاصيله من قبل- عدة قضايا من بينها الحرب في سوريا، والوجود الإيراني هناك، والإرهاب، والغاز الطبيعي، الذي يعتبر مُحركًا رئيسًا لجهود التقارب بين إسرائيل وتركيا، وتوجد احتياطيات غاز على المحك تصل قيمتها لمئات المليارات من الدولارات تحت المياه الإسرائيلية والقبرصية.

وفي مقابلة في مكتبه في القدس المحتلة، أكد شتاينتز عقد اجتماع واشنطن، قائلًا: "كانت الأجواء جيدة جدًا. لا أريد أن أقول أكثر من ذلك.. أنا من أشد مؤيدي هذه المساعي الرامية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع تركيا".

ومنذ اجتماع واشنطن، عقد مبعوثون رفيعو المستوى من تركيا وإسرائيل، مباحثات مغلقة في جنيف ولندن لإبرام اتفاق على استئناف العلاقات بين الحليفين السابقين. وتعثرت المفاوضات في بعض الأحيان، إذ تطالب إسرائيل تركيا بقطع علاقاتها مع ممثلي حركة حماس في تركيا، بينما تريد أنقرة ضمانات بشأن تقديم مساعدات للفلسطينيين في غزة إلى جانب مطالب أخرى.

وقال مسؤول تركي بارز إنه ليس على علم بالاجتماع، مضيفًا أن لقاء رئيس مع وزير يمثل خروجًا عن البروتوكول المعتاد.

وبشكل عام يرى مسؤولون إسرائيليون إمكانية للتوصل إلى اتفاق خلال الأسابيع المقبلة.

وقال شتاينتز: "تجاوزنا ما بين 80 و90% من المصاعب أو الفجوات، والآن يمكننا التوصل لاتفاق بشأن ما تبقى منها بقليل من النوايا الحسنة والمرونة من كلا الجانبين. أعتقد أننا اقتربنا كثيرًا من تطبيع العلاقات".

وعلت بعض الأصوات الإيجابية في تركيا، حيث صرح وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو في 7 حزيران/ يونيو الجاري، بأن أنقرة يفصلها "اجتماع أو 2" عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكنه لم يحدد إطارًا زمنيًا لذلك.

احتياطيات ضخمة

تقبع إسرائيل وقبرص -اللتان تربطهما علاقات وثيقة- فوق نحو 3450 مليار متر مكعب من الغاز المدفون في شرق المتوسط، بحسب مسح جيولوجي أمريكي أجري في أواخر العقد الماضي. وتقدر قيمة هذه الاحتياطيات بنحو 700 مليار دولار، وهو ما يكفي لتلبية احتياجات العالم بأسره من الغاز لمدة عام.

ولا يشمل هذا الرقم سوى الاحتياطيات المؤكدة. وذكر شتاينتز أن مسحًا أجرته شركة استشارات فرنسية في الآونة الأخيرة، أظهر أن احتياطيات إسرائيل وحدها قد تزيد نحو ثلاث مرات عما كان يعتقد من قبل.

ولا تقتصر المشكلة على التكلفة المرتفعة للتنقيب عن الغاز، بل تكمن أيضًا في إيجاد طريق لتوصيله إلى العملاء. وسيوجه جزء من الغاز للاستهلاك المحلي، إلا أن معظمه مخصص للتصدير. وما لم تبرم إسرائيل وقبرص عقود تصدير طويلة الأمد، فلن تستطيعا تغطية تكاليف تطوير الحقول الكائنة في المياه العميقة وقد لا تستغل هذه الأصول الضخمة بالكامل أبدًا.

وربما يكون الأردن الذي وقع معاهدة سلام مع إسرائيل، مُشتريًا طويل الأجل للغاز الإسرائيلي، لكن السوق الأردنية محدودة. ولا سبيل لتصدير الغاز إلى لبنان وسوريا، وهما عدوان لدودان لإسرائيل. أما تركيا ومصر -اللتان يقطنهما 80 مليونًا و93 مليون نسمة على الترتيب- فستزداد احتمالات استيرادهما للغاز بصفقات طويلة الأمد.

وكانت الخطة الأولية تهدف لبيع كميات من الغاز لمصر التي ترتبط بعقود بالفعل لشراء كميات صغيرة من الغاز من إسرائيل. ولكن خلال العام الأخير اكتشفت مصر غازًا طبيعيًا قبالة سواحلها. وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن بلاده ستسرع الخطى في تطوير موارد الطاقة الخاصة بها.

ويقول شتاينتز إن الاتفاق مع مصر يظل خيارًا. لكن إسرائيل تتجه أيضًا لدارسة مد خط أنابيب إلى تركيا لاستخدامه سواء في إمداد المستهلكين هناك بالغاز أو في الوصول إلى أوروبا. وثمة خيار ثالث يتمثل في مسار إلى قبرص واليونان وأوروبا.

ونتيجة لذلك فإن استئناف العلاقات مع أنقرة بات إحدى ركائز استراتيجية إسرائيل الرامية لاستغلال ثروتها من الغاز الطبيعي.

وبعد إلحاح على سؤال بخصوص استئناف العلاقات بين الجانبين، قال الوزير الإسرائيلي: "تطمح تركيا كثيرًا إلى تنويع وارداتها من الطاقة ومواردها.. لا تريد أن تعتمد على مصدر واحد أو مصدرين للطاقة".

الغاز الروسي

تستورد تركيا معظم احتياجاتها من الغاز من روسيا. لكن العلاقات بينهما متوترة لاسيما بسبب الصراع في سوريا، بعد أن أسقطت مقاتلة تركية طائرة روسية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وفي 2015 قلصت تركيا وارداتها من الغاز الروسي بواقع 300 مليون متر مكعب إلى نحو 27 مليار متر مكعب سنويًا وهو ما أزعج موسكو.

لكن بعض المحللين يقولون إن اقتصاد تركيا السريع النمو لا يزال يستهلك 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا. ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب على مدى السنوات السبع أو الثماني المقبلة. ومن ثم سيكون تنويع الإمدادات مهما.

وقال الوزير: "يحتاجون موارد أخرى، موارد يعتمد عليها من الغاز. نهتم بتصدير الغاز الإسرائيلي وأن يكون هناك خيارات للتصدير - وألاّ نعتمد اعتمادًا كاملًا على دولة واحدة في صادراتنا. لذا فإنها فرصة جيدة جدا هنا".

المشكلة القبرصية

رغم تفاؤل شتاينتز بإصلاح العلاقات مع تركيا، لا يزال المحللون في المنطقة يشككون في حدوث طفرة في قطاع الغاز بمنطقة شرق البحر المتوسط في وقت قريب.

ويقول مايكل لي من صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة وخبير اكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط، إنه يعتقد أن ثمة كثيرا من العقبات السياسية والتجارية التي تحول أمام استخراج الغاز من قاع البحر ونقله إلى الأسواق.

وربما تأتي قبرص على رأس القضايا الشائكة. فمنذ 1974 انقسمت الجزيرة إلى شطرين الجمهورية القبرصية في الجنوب والجمهورية التركية في شمال قبرص عقب غزو الأتراك للجزيرة إثر انقلاب عسكري ساندته اليونان. ولا توجد علاقات دبلوماسية بين الجنوب - وهو عضو في الاتحاد الأوروبي - وتركيا.

وتوجد كميات كبيرة من الغاز في المياه الإقليمية لقبرص. ويقول محللون إنه "في حالة وجود رغبة لتنسيق استراتيجية التصدير مع إسرائيل -وفي حالة الاعتماد على تركيا كأحد المسارات- ينبغي تجاوز الانقسامات في قبرص أولا. ذلك لأن جزءًا على الأقل من خط الأنابيب سيمر عبر المياه الإقليمية القبرصية إلى المياه الإقليمية التركية".

وتحدث دبلوماسيون بريطانيون وقبارصة بتفاؤل عن انفراجة بشأن توحيد قبرص، لكن هذا ليس مؤكدا بعد.

وقال مسؤول كبير شارك في المحادثات بشكل مباشر: "نرى أن الأجواء باعثة على التفاؤل وأن هناك زخمًا من الجانبين... الاحتمالات أفضل بالتأكيد مما كانت عليه منذ وقت طويل ولكن لا نستطيع أن نقول إن ثمة اتفاقا حتى يتم تسوية جميع الأمور".

وحتى في حالة التوصل لاتفاق فإن ذلك لا يعني تذليل جميع العقبات. وأشار لي من صندوق مارشال إلى أن أردوغان - وموقفه حيوي لحل المشكلة - لم يثبت على رأي في هذا الصدد.

وفيما يتعلق باستغلال احتياطيات الغاز أضاف لي، "حل المشكلة القبرصية ضروري، لكنه ليس كافيا - إذ يجب أن تكون هناك جدوى تجارية أيضًا." ولي ليس مُقتنعًا بجدوى الاستثمار في شرق المتوسط في ظل تراجع أسعار الغاز وتكلفة استخراج الغاز وضخه إلى الأسواق.

ولكن شتاينتز يبقى متفائلًا ومقتنعًا بأن الاستقرار الاقتصادي وأمن الطاقة في إسرائيل يعتمدان على تطوير موارد الغاز بأي وسيلة ممكنة.

وقال: "سننفذ ذلك بأي وسيلة ممكنة. ينبغي أن نتخطى جميع المصاعب ونحقق ذلك لأنه ضروري لمستقبل إسرائيل".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com