ليبيا.. الخلافات التاريخية تحكم المشهد السياسي
ليبيا.. الخلافات التاريخية تحكم المشهد السياسيليبيا.. الخلافات التاريخية تحكم المشهد السياسي

ليبيا.. الخلافات التاريخية تحكم المشهد السياسي

 يبدو أن العداء لبرقة "شرق ليبيا" تدعمه ذاكرة التاريخ، حتى عندما تحررت ليبيا بفضل جهاد عمر المختار ابن برقة، والذي ظل يقاوم مدة عشرين عاما ضد الإيطاليين، فالتاريخ يحمل عدة حقائق مؤلمة منها مشاركة المئات من الليبيين في غرب ليبيا ضد عمر المختار، فيما يعرف حينها بمليشيات "البندات"، كما قام رمضان السويحلي من مصراته بمهاجمة عدة قادة تابعين للسنوسية، عندما اشتبكوا في إحدى المعارك مع الإيطاليين بالقرب من مصراته وقتل منهم عدة أشخاص، كما خاض السويحلي زمن الاحتلال الايطالي بقيادة معركة ضد منطقة بن وليد انتهت بمقتله في المدينة.

الصورة الحالية الآن تتمثل في ضرب  المعترضين على حكومة الوفاق بعدة أمور، منها إحداث عجز عن تحقيق أهداف الجيش في حربه ضد الإرهاب بتزويد قادة الإرهابيين وعناصرهم في بنغازي بكافة أنواع الأسلحة وحتى تهريب عناصر داعش من سوريا وتركيا بعد وصولهم لميناء ومطار مصراته، كما يستغل مؤيدو تمرير الحكومة الجديدة سيطرتهم على مراكز المال والاستيراد بإحداث عجز في توفير حاجات المواطن الأساسية لكي يخرج المواطن في هذه المناطق لتأييد الحكومة.

يقول المعارضون لحكومة الوفاق إن التوقيع النهائي على وثيقة الاتفاق السياسي الليبي، لم يتم وفق المسوَّدة الرابعة التي وقع عليها بالأحرف الأولى، فبعد لعبة سياسية، كان من ورائها الأمم المتحدة والغرب، والمرتبطون بهم داخل ليبيا تم تمرير التوقيع عليها ونشر أسماء  أعضاء مجلس رئاسة الوزراء لحكومة الوفاق الوطني التسعة.

ويقول هؤلاء المعارضين لتشكيل الحكومة إن تكوين مجلس رئاسة الوزراء من رئيس وخمسة نواب وثلاثة وزراء دولة هو أمر معد سلفا لإخراج المناطق المعارضة للإرهاب بأن لا يكون لها صوت مؤثر.

وحسب المشاورات الأولى لتشكيل الحكومة وصل الاتفاق حسب المسوَّدة الرابعة لرئيس ونائبين يكون الرئيس محسوب على الإقليم الذي ينتمي إليه ونائبين من الإقليمين الآخرين، وأن يكون القرار بالتوافق ولا يوجد حسم بالتصويت.

لا يزال المشهد الليبي العام يعج بالانقسامات السياسية والشعبية، وتعود أسباب هذه الانقسامات الحادة بشكل واضح وجلي منذ العام 2014 حين رفضت القوى المتطرفة المسيطرة على العاصمة ومدينة مصراته الامتثال لنتائج الانتخابات التي تحققت في ليبيا، بعد انتخابات نزيهة وشفافة حسب شهادات دولية ومؤسساتية مختصة بهذه الأمور.

ويستمر الانقسام والاختلاف حاليًّا حول توزيع حقائب الحكومة التوافقية الجديدة، وبحسب مصادر مقربة من رئاسة الحكومة الجديدة في توضيحات لـ إرم نيوز حول ما يحدث في جلسات المجلس الرئاسي للحكومة، بأن هناك تكتلا واضحا مدعوما من الغرب لتمرير أسماء خلافية أغلبها تنتمي لتيار الإخوان المسلمين وبقايا تنظيم المقاتلة الإرهابي في ليبيا، كما أن بعض الجهويين يتفقون على هدف واحد مع هؤلاء وهو السيطرة على مقدرات البلاد ومؤسساتها.

وحسب هذه المصادر التي فضلت عدم التصريح باسمها، فإن عرابيّ هذا الموضوع يتمثل في عضوي مجلس الرئاسة أحمد معيتيق المنتمي والمتحيز لمدينة مصراته والتي يسعى لأن تكون هذه المدينة هي العاصمة الجديدة لليبيا، والمعروف كذلك بعدائه المستحكم لبرقة التي يصفها دائما بموطن البادية المتخلفة.

أما محمد العماري فهو تلميذ نجيب ومقرب من عبدالحكيم بالحاج زعيم أحد التنظيمات الارهابية، والذي سلمته بريطانيا لنظام معمر القذافي والذي أفرج عنه بعد أن اعترف بولاية القذافي للأمر في ليبيا، ونشر هو ومجموعة من الإرهابين كتابا أسموه "مفاهيم تصحيحية" راجعوا فيه حسب الكتاب كثيرا من معتقداتهم، لكنهم رجعوا عنها بمجرد سقوط نظام القذافي.

 أغلبية في رئاسة الحكومة

ويرى كثير من المتابعين المحليين للشأن الليبي أن تشكيل المجلس بصورته الحالية حقق الأغلبية لمنطقة معينة (غرب ليبيا) وتيار محدد (الإسلام السياسي ) فوزراء الدولة الثلاثة هم الذين يرجحون الكفة وهؤلاء الثلاثة اختيروا من تيار الإسلام السياسي أو من المؤيدين له لالتقاء المصالح.

 تجدر الإشارة هنا إلى أن الاتفاق لم يوقع بالرجوع للبرلمان إنما أحدث أمرا قاده نواب المنطقة الغربية بعيدا عن قبة البرلمان، بالاتفاق مع 90 نائبا وقعوا على ضرورة تشكيل الحكومة، ومع هذا خرج عدد من النواب ونفوا توقيعهم على هذه القائمة، بل وحتى علمهم بها، وحتى من وقع عليها تراجع أثناء الجلسة للتصويت على الحكومة وصوت ضدها خلال جلسة اعتمادها الأولى، وحسب تصريحات العديد منهم بأنهم كانوا مع الحوار وليس إعلان أسماء معينة بدون الرجوع للبرلمان.

من النقاط المثيرة للجدل وأيضا لخوف الليبيين هو جعل بعض الأحزاب وكأنها جزءا من المكون الليبي، رغم أن أغلبها لا يمثل سوى مؤسسي الحزب، وليس لهم أي تواجد في أغلب المدن الليبية، وتأكيدا لما يقال بهذا الخصوص هو بيان حزب العدالة والبناء الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين والذي جاء فيه تأييده الاتفاق واعتباره مُنهيًا للانقسام ومحاولة لإيجاد سلطة واحدة.

عوائق أخرى

ومع هذا لا تظل برقة والتيار الفيدرالي هما العائقان الوحيدان فهناك عائق مؤثر يتمثل في مليشيات مصراته والزاوية وخلايا داعش النائمة بطرابلس، وهذه تشكل حجر عثرة كبيرا أمام تواصل الحكومة وعملها من طرابلس، وأكثر هذه القوى تطرفا من الناحية الجهوية هي القوة التي شكَّلها عضو المؤتمر السابق، العقيد صلاح بادي، والذي فصل من الجيش بقرار تأديبي أخلاقي، وهو أي بادي لا يريد جيشا منظما ولا دولة إلا وفق ما يراه هو، وقد سبق له أن دمر مطار طرابلس الدولي وأحرق عدة طائرات تربض فيه، كما قاد حملة على الهلال النفطي تسبب في خسائر مادية فادحة قبل أن ينسحب تحت وطأة ضربات الجيش ببرقة.

ولا يمكن للحكومة أن تعتمد على قيادة الأركان التي شكلها المؤتمر برئاسة عبد السلام جاد الله العبيدي، فالضباط تحت إمرته لا يقفون على قلب رجل واحد، وتتملكهم مخاوف من الملاحقات والثارات التي سببتها لهم المليشيات التي تتبعهم صوريا وترضخ عمليا لقادة مدنيين أغلبهم من تيارات متطرفة. الانقسام أحد عناصر قائمة التحديات التي تواجه حكومة الوفاق، ومصدر العقبات التي تعترضها على مستوى تشكيلها ومقرها الرئيسي.

ويرى مراقبون للوضع الليبي أن مسألة التوافق داخل مجلس رئاسة الحكومة على تشكيلة الحكومة وكيفية التوصل إلى ذلك خلال المدة التي تنقضي بيوم الأحد القادم، وبما أن المحاصصة الجهوية حكمت تشكيل مجلس رئاسة الوزراء بين الأقاليم التاريخية الثلاثة (طرابلس، برقة، فزان)، يُتوقع أن يواجه المجلس تحديًا في الموازنة بين معياري الكفاءة والجهة، خصوصا في ظل تمسك بعض أعضاء المجلس بأن مدنهم وجهاتهم وتياراتهم الأقدر على الحكم، وهذا التيار يبدو أنه الأكثر تأثيرا في اجتماعات المجلس الرئاسي والأكثر بُعْداً به عن التوافق، وهو تيار كما أوضحت مصادر المجلس في أكثر من مناسبة يقوده "معيتيق والعماري"

لذلك لا يمكن التنبؤ الجازم بتصرفات أي من الأطراف المناهضة للاتفاق السياسي، لكن شيئًا واحدًا يمكن الجزم به وهو صعوبة أن يلتقي طرفاها في الشرق والغرب لقاء استراتيجيا، نظرا لتاريخ العداء، الذي لا يزال قائمًا. ويمكنهما أن يشكِّلا عقبتين كبيرتين في وجه الاتفاق وعمل حكومة التوافق، لكنهما سيظلان في الغالب عقبتين منفصلتين، لن توحدهما استراتيجية عمل واحدة.

كما لا يمكن بأي حال إنكار وجود قوة الجيش الآن بأغلب مناطق ليبيا التي لا تخضع لسلطة مليشيات مصراته وهذه المناطق تشمل برقة كافة، وكذلك مناطق عدة في جنوب غرب ليبيا وفي الوسط بن وليد وما جاورها، كما أن هناك قوات عسكرية كانت ضمن قوة تتبع عدة مدن مشهود لها بقربها من النظام السابق ، بدأت تتجمع هذه القوات في معسكرات عدة تحت قيادة الجنرال خليفة حفتر، وهي قوات تدربت بشكل جيد وتملك خبرة كبيرة في المجال العسكري سيكون لها تأثيرا في مسرح الأحداث الليبية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com