حرب أكتوبر.. إرادة حقيقية للوحدة العربية
حرب أكتوبر.. إرادة حقيقية للوحدة العربيةحرب أكتوبر.. إرادة حقيقية للوحدة العربية

حرب أكتوبر.. إرادة حقيقية للوحدة العربية

القاهرة - إن حرب أكتوبر تُعد معجزة عسكرية بكل المقاييس كما وصفها عشية الانتصار، قائدها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وأثبتت الإرادة العربية أنها قادرة على تجاوز كل العقبات بما هو متاح، ففي حين كان خط بارليف على جرف القناة، يفوق خط ماجينو الفرنسي في تصميماته الدفاعية، حتى أنه قدر له أن تحطيمه لا يمكن إلا بقاذفة ذرية، فأتاه المصريون من فتحات صغيرة لم يتوقعها العدو، حيث فتحوا شوارع وطرقات لا عبر فوهات المدافع كما كان مقدراً، بل عبر اندفاعات مياه الخراطيم التي اجتاحته، فعبرت على حطامه أسراب الجنود في ضحى الشمس، والعالم من حولهم شهود ومع تهاوي دفاعات بارليف وتطاير أحلام الإسرائيليين من وكر عشم أطماعهم في البقاء على حافة القناة، عبرت المنطقة إلى مرحلة جديدة، عمدت بالعرق والدم المبذول من جهد الرجال وفداء الشهداء.

في الذكرى 41 لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة، يردد اللواء محمود خلف المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، عبارة القائد السادات "إن حرب أكتوبر هي معجزة عسكرية بكافة المقاييس"، حيث استطاع الجيش المصري أن يحوّل هزيمة تُعد الأسوأ في تاريخه الحديث، فقد قضت على ما يقرب من 70% من قدراته القتالية، غير أن القوات المسلحة استطاعت إعادة بناء قدراتها العسكرية برمتها، خاصةً منظومة الدفاع الجوي التي قطعت ذراع سلاح الجو الإسرائيلي اليد الطولى للعدو، وأنهت التفوق الجوي لإسرائيل، وكان ذلك في أقل من 6 سنوات، وهي مدة تُعد قصيرة في عمر إعادة بناء الجيوش، ويوضح خلف، أن المقاتل المصري كان كلمة السر في تلك الانتصارات، والذي استطاع أن يحدث الفارق في المواجهات المباشرة مع القوات الإسرائيلية، حيث أظهر شجاعة وبطولات أذهلت العدو وأفقدته توازنه، مما سد في وجهه الخيارات، ولم يعُد أمامه سوى الهزيمة والانسحاب، لافتاً إلى أن الشئون المعنوية للقوات المسلحة لعبت دوراً كبيراً في إعادة تأهيل الجندي المصري، واستعادته لثقته في نفسه وقدرته على تحقيق النصر، فكان استحضار روح الجهاد والدعم النفسي والمعنوي، التي جعلت المقاتل المصري يفجر الدبابة الإسرائيلية بقنبلة يدوية، ويواجه المدرعات بمدافع "آر بي جي" المحمولة على الأكتاف، ويشير إلى أن المخابرات المصرية مارست الخداع الاستراتيجي بحرفية عالية، مكّنتها من خداع القيادة السياسية في تل أبيب وجعلتها على ثقة تامة من عدم قدرة أو رغبة مصر في خوض حرب جديدة مع إسرائيل، الأمر الذي جعل حرب 6 أكتوبر مفاجأة مدوية للكيان الصهيوني، أربكت معه جيشها ووضعته في حالة ذهول وغيّرت كل حساباته.

ومن جهته، يقول اللواء عبد المنعم سعيد، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة الأسبق: إن حرب السادس من أكتوبر فاجأت إسرائيل نسبة لدرجة التنسيق العالي الذي تم بين الجانبين المصري والسوري، حتى أن إسرائيل لم تتوقع هجوماً شاملاً من قبل القوات المصرية، بالإضافة إلى مهاجمة القوات السورية لمواقع الجيش الإسرائيلي في الجولان المحتل بالتزامن مع عبور القوات المصرية لقناة السويس ودخولها إلى سيناء، وتابع: القوات الإسرائيلية باغتتها الطائرات المصرية وهي تغطي السماء وتقصف مواقعهم، الأمر الذي كان له تأثيره السيء على معنويات الجندي الإسرائيلي وجعلته يهرب مخلفاً أسلحته ومواقعه.

ويشير إلى أن خطة العبور في حرب أكتوبر كانت متكاملة، وبدأت بضربة جوية أفقدت العدو توازنه وقدرته على توجيه قواته في سيناء، وقطعت الاتصالات بين القيادات والعسكريين الموجودين في سيناء، ثم أتبعها عمليات إنزال لقوات الصاعقة والمظلات خلف خطوط العدو في سيناء، لمنع وصول الإمدادات والدعم للقوات الإسرائيلية، وتأخير وصول الفرق المدرعة إلى خطوط الاشتباكات، حتى تتمكّن القوات المصرية من عبور القناة وإنشاء خطوط دفاعها، وهذا ما حدث واستطاعت القوات المصرية التي عبرت القناة بما يقرب من مائتي ألف مقاتل وفرق مدرعة، من صد كل هجمات القوات الإسرائيلية لاستعادة السيطرة على سيناء.

ويوضح سعيد، أن الجيش الإسرائيلي حاول من خلال فتح ثغرة بين الجيش الثاني والثالث الميداني، وتمكّنه من العبور إلى الضفة الغربية من القناة للضغط على القوات المصرية الموجودة في سيناء، للانسحاب والعودة إلى مواقعها في الجهة الأخرى من القناة، الأمر الذي لم يحدث، وتمكّنت فرق الصاعقة المدعومة من المدرعات وسلاح الجو من محاصرة القوات الإسرائيلية في الثغرة وتصفيتها، ويضيف: الفضل في نصر أكتوبر يرجع إلى قيادات الجيش المصري، وعلى رأسهم القائد العام أحمد إسماعيل، والمشير محمد عبد الغني الجمسي، والفريق سعد الدين الشاذلي رئيس هيئة الأركان، والذين كان لهم الدور الأبرز في تحقيق هذا النصر مع القيادة السياسية التي كان يمثلها الرئيس الراحل أنور السادات، ويؤكد سعيد أن مصر استطاعت من خلال نصر أكتوبر فرض إرادتها على إسرائيل، الأمر الذي انعكس على موافقة إسرائيل على الانسحاب الكامل من سيناء، وتوقيع معاهدة السلام مع مصر.


في حين يشير د. قدري سعيد الخبير الاستراتيجي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن حرب 73 نقلت مصر من مرحلة الهزيمة والضعف إلى مرحلة النصر والمستقبل والبناء، وتابع: نصر أكتوبر كان بمثابة ميلاد جديد للدولة المصرية القوية ذات السيادة، ويؤكد أن نصر أكتوبر هو ثمرة عمل منظومة كاملة، بداية من الرئيس ومروراً بقادة الجيش وصولاً للشعب والمواطن البسيط، وتابع: نحن في أشد الحاجة إلى استعادة هذه المنظومة، واستلهام روح أكتوبر لعبور مصر من صعوبة الوضع الحالي إلى المستقبل المشرق والغد الأفضل، خاصةً مع ما تمر به المنطقة من فوضى واضطرابات، لافتاً إلى أن حرب 6 أكتوبر أظهرت المعدن الحقيقي للشعب المصري، الذي سخّر كل طاقاته لبناء الجيش، ومحو عار الهزيمة والعبور إلى النصر.

وعن الدور العربي في حرب أكتوبر 73، يؤكد السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية السابق للشئون العربية، أن الدول العربية لعبت دوراً بارزاً على المستوى الدولي، بالضغط على الغرب والولايات المتحدة لوقف دعمهم لإسرائيل، وتابع: قيام دول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية بقطع البترول عن الغرب وأمريكا، كان له تأثير كبير على تراجع دول الغرب في دعم ومساندة إسرائيل، كذلك إرسال الجزائر وليبيا والسودان والعراق لفرق قتالية للقتال على الجبهة المصرية والسورية، كان له تأثير كبير في رفع الروح المعنوية للجنود المصريين، ويضيف: العرب استطاعوا توحيد صفوفهم وتكامل جهودهم، وتحقيق أول انتصار عربي على إسرائيل في أكتوبر 73، وتابع: انتصار أكتوبر كان تجسيداً حقيقياً للوحدة العربية، وقدرة العرب على تحقيق الإنجازات والانتصارات.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com