ملامح البيان الختامي لقمة عمان
ملامح البيان الختامي لقمة عمانملامح البيان الختامي لقمة عمان

ملامح البيان الختامي لقمة عمان

ما الغلط في تكرار المُجرّب على مدى سبعين سنة منذ تأسست الجامعة العربية، واستلهام الدروس المعتمدة منذ قمة شرم الشيخ عام 2003 التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق، وهي الاعتراف الضمني بحقيقة أن هناك مقاولًا دوليًا موكلًا بجمع وتصنيف القمامة القديمة والجديدة في الشرق الأوسط الموضوعة تحت السجادة، وفرزها الى ثلاثة أو أربعة أنواع ، حسب تقنيات إعادة تدوير المخلفات، ثم التعامل معها  بسطوة لا تترك لأصحاب البيت والسجادة  سوى هامش معين من  الموافقة التنفيذية؟

ما فعله وزراء خارجية دول قمة عمان العربية، هو انهم اعتمدوا البيان الختامي لقمة 2017، نفس التوصيات الـ 17 التي رفعها المندوبون الدائمون في الجامعة العربية، حتى لو كانت، تقريبًا، هي نفسها التي صدرت عن القمم الثلاث الأخيرة، مع ما يلزم من حصافة لغوية لعدم التكرار الحرفي.

الهدف الأساس للقمة

لم يكن ذلك  خطأً سياسيًا ، حتى لو ضحى بالشعبوية . فما فعلوه، حسب تقدير  معظم الذين علّقوا  طالبين عدم ذكر اسمائهم ، هو الضمانة لأن "تنجح" القمة الـ 28 في الهدف الأساس الذي حدده وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بأن "تسمح هذه القمة بإيجاد فرص التقدم بشكل مؤسسي منهجي لإيجاد مستقبل ناجح لشعوب المنطقة".

وفي هذه الحدود المصاغة لغويًا بحرفة ملفتة، فإن مجرد انعقاد واختتام القمة بدون أن تفجرها أيّ من القضايا أو الملفات الثلاث الرئيسة التي تتحدى الدول العربية مجتمعة ومنفردة (فلسطين وإيران والإرهاب)، يعتبر نجاحًا ما دام أنه سيسمح ب"المتابعة بشكل مؤسسي منهجي".

 ليس ترحيلًا للقضايا

وحسب وزير خارجية عربي معروف عنه ولعه بالشعر وبالتعاطي مع الإعلام، فإن ما توافق عليه مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، ليس ترحيلًا للقضايا الرئيسة وإنما هو "حكمة إقرار المريض بأن مرضه مستعصٍ"، مع براغماتية الجيل الجديد من وزراء الخارجية العرب الذين يعرفون أن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، وطواقمه المكلفة بالملفات الثلاث (فلسطين وايران والإرهاب) لم تنته بعد الى الذي تريده من قمة عمان في هذه القضايا الثلاث المتداخلة والتي تتفاوت فيها وجهات نظر الدول العربية تفاوتًا لا يترك مجالًا للتنازع عليه... ما دام ترامب لم يبدأ بعد بفرز وتصنيف وإعادة تدوير المخلفات التي تتركها القمم العربية تحت السجادة.

مشروع المنظومة الإقليمية الجديدة

مِنَ الزعماء والقادة العرب الذين التقوا الرئيس الأمريكي الجديد واستمعوا منه الى أولوياته في الشرق الأوسط، العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وبعد القمة سيلتقيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني للمرة الثانية، ثم الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وعلى الجانب الآخر التقى ترامب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، كونه أيضًا طرفًا مباشرًا أو غير مباشر في الملفات الرئيسة الثلاث التي اختارت القمة العربية أن لا تتورط في بحثها بشكل تفصيلي، وأن تضعها تحت البساط الأحمر، بحصافة الذي يعرف تمامًا صعوبة أو استحالة "الوفاق أو الاتفاق" عليها مجتمعة ومنفردة.

ليس سرًا على أي من وزراء الخارجية العرب الذين شاركوا في لقاءات الرئيس الأمريكي أو شاركوا في مؤتمر وزراء خارجية التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي انعقد في واشنطن قبل أيام، أن الإطار الاستراتيجي الذي تريده الإدارة الأمريكية لمعالجة القضايا الثلاث، الرئيسة بتقديرها (فلسطين وايران والإرهاب) هو منظومة إقليمية جديدة تتفاوض جماعيًا مع اسرائيل لحل القضية الفلسطينية، كما تتولى في نفس الوقت مواجهة التمدد الايراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي مواجهة  تشتبك مع ملفات الارهاب والحروب في سوريا واليمن وليبيا، اشتباكًا  قطعيًا.

فكرة المنظومة الإقليمية الجديدة التي تتولى الملفين الفلسطين والايراني، هي في الأساس لنتنياهو الذي يبدو أنه باعها لترامب ومستشاريه، فتحولت إلى مطلب أمريكي بإطار عريض لم تتم حتى الآن تعبئة فراغاته التنفيذية، حتى تغامر القمة العربية بالحديث عنها.

كان طبيعيًا ومتوقعًا أن لا تتضمن توصيات وزراء الخارجية الى القمة العربية، أي خوض تفصيلي في هذه القضايا الثلاث الرئيسي المتشابكة (فلسطين وايران والإرهاب). ففي أي  وكل ٍّمنها، تفاصيل محرجة كادت أن توتر الاجتماعات التمهيدية للقمة، ولذلك تم الاتفاق على وضعها تحت السجادة والاكتفاء بالعموميات اللفظية التي لا خلاف عليها.

تصريحات جس النبض

ظهر ذلك في الجدل الذي أثاره أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط من خلال سلسلة من التصريحات التي ربما استهدفت جس النبض، تحدث فيه عما هو مطروح فعلًا للنقاش. لكنه رجع وأعاد صياغتها بعد سيل ردود الفعل القاسية التي اكدت أن أي قرار من القمة العربية بهذه الاتجاهات لن يؤدي الهدف منه.

في اجتماعه مع وزير خارجية الأردن، الدولة المضيفة للقمة، خرج أبو الغيط ليتحدث عن موقف عربي جديد موحد تجاه ايران.

وفي ذلك كان يقرأ من فحوى "المنظومة الإقليمية الجديدة المقترحة " التي تريدها دول عربية عديدة لمواجهة التمدد الايراني في المنطقة، وهي ذاتها  المواجهة التي كان الرئيس الأمريكي تحدث بها مع الأمير محمد بن سلمان ومع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.

كذلك كان أمين عام الجامعة العربية تحدث عن مبادرة فلسطينية جديدة ستعتمدها القمة العربية، وهي مبادرة تولتها تسريبات أمريكية وإسرائيلية بتفاصيل تذهب حد المقايضة في بنود أساسية من الحل النهائي، بينها حق العودة ويهودية الدولة الإسرئيلية، واقتراح الدولة الفلسطينية الانتقالية على مدى 40 سنة، وغيرها من التفاصيل التي تبين أن مناقشتها علنًا في القمة قد تفجر الاجتماع. ولذلك تم الاتفاق في توصيات وزراء الخارجية على أن "لا تغيير في المبادرة العربية للسلام بمضمونها ونصوصها".

مع قناعة بأنه لا ترامب ولا نتنياهو حدّد ما يريده من مبدأ "الحل الفلسطيني القابل للتنفيذ والحياة". فلماذا إذن لا يجري وضع الملف كله  تحت السجادة ،بانتظار ما يستجد، في مرحلة قادمة يعرف الجميع أنها ستكون عاصفة بغبار متعدد الألوان والأحجام.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com