قانون "52" يثير جدلًا واسعًا في تونس
قانون "52" يثير جدلًا واسعًا في تونسقانون "52" يثير جدلًا واسعًا في تونس

قانون "52" يثير جدلًا واسعًا في تونس

أثار قانون "52" المتعلق بالمخدرات، جدلًا واسعًا في تونس، خاصة ما يتعلق باستهلاك مخدر مادة القنب الهندي، الذي ينتشر في الأوساط الشبابية.

 وطالب البعض بإلغاء سجن الشباب بسبب استهلاك هذه المادة المخدرة، فيما يبدي البعض الآخر تخوفه من أن يسهم إلغاء هذا القانون في انتشار الاستهلاك بين الشباب ونشر الفساد بين أفراد المجتمع.

السبسي يتعهد بتنقيح القانون

وأكد رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، أنه سيطالب مجلس الأمن القومي بعدم تتبع مستهلكي القنب الهندي من الشباب، مستقبلًا، إلى حين إيجاد حل جذري وإلغاء القانون.

وأشار السبسي إلى أنه "يقف ضد الحكم بالسجن على الشباب الذين يستهلكون مخدر القنب الهندي، في المرة الأولى"، مبينًا أن "الشاب عندما يدخل السجن بسبب استهلاك سيجارة من مخدر القنب الهندي، سيخرج منه مجرمًا"، وفق تعبيره.

وأوضح أن "القانون 52 لا يعطي القضاة إمكانية الاجتهاد، ولا يمكنهم الاعتماد على القانون 53، فينال الشاب الذي استهلك هذا المخدر للمرة الأولى، السجن لسنة، وغرامة  تقدر بألف دينار (500 دولار)".

ويذكر أن السبسي تعهد خلال حملته الانتخابية نهاية العام 2014، خلال لقاءاته بالشباب، بتنقيح القانون المتعلق باستهلاك القنب الهندي، حيث تم إعداد مشروع قانون يلغي عقوبة السجن لمستهلك المادة للمرة الأولى، وتم تمريره إلى البرلمان للمصادقة عليه، منذ فترة، ولكنه لم يمرر إلى حد الآن.

ودعا رئيس الحكومة يوسف الشاهد، قبل يومين، إلى "التعجيل بتغيير الفصل 52 وإلغاء عقوبة السجن ضد مستهلكي المخدرات، خلال إعادة افتتاحه لمركز أمل لعلاج المدمنين على المخدرات في جبل الوسط من ولاية زغوان"، مؤكدًا على "ضرورة تشديد العقوبات على مروجي المخدرات".

من جانبه، اعتبر المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة، لطفي زيتون أن "التصدي لتفشي ظاهرة استهلاك المخدرات لا يحتاج فقط إلى قانون بل يتطلب سياسة دولة متعددة الجوانب".

القانون الجديد والنقائص

واتفق أعضاء لجنة التشريع العام بالبرلمان حول الفصل 12 من مشروع القانون المتعلق بالمخدرات، الذي يشير إلى إعفاء مستهلك مادة مخدرة من التتبع القضائي طيلة فترة العلاج، لمن اختار الترسيم التلقائي في إحدى اللجان التي ستحدث في مختلف المحافظات لبحث سجلات مستهلكي المخدرات، والعلاج في المؤسسات الصحية العامة أو الخاصة والالتزام به.

واتفقوا كذلك على التنصيص في هذا الفصل (12) المتعلق بالتتبع القضائي لمستهلك مادة مخدرة، على تمكين السلطات القضائية والهياكل الصحية المتعهدة بعلاج مستهلك المخدرات من النفاذ إلى قاعدة البيانات الخاصة به، في حال إثارة تبعات قضائية ضده بعد العودة إلى الاستهلاك، مؤكدين أن "هذه التنقيحات تشجع الشباب المستهلك للمواد المخدرة على المبادرة الإرادية للعلاج داخل المؤسسات الصحية المرخص لها والالتزام به، خاصة عدم العودة للاستهلاك من جديد".

ولقيت هذه التنقيحات رفضًا من بعض الحقوقيين، اعتبارًا إلى أنها "تضم مجموعة من النقائص" برأي المحامي غازي مرابط الذي أكد أن "المشرع في القانون الجديد، لم يصنف المواد المخدرة، مثلًا مادة (القنب الهندي)، وهي مادة خفيفة، بينما هناك مواد خطيرة من ذلك الهيروين، والإكستازي، وغيرهما".

واعتبر الأستاذ غازي مرابط، في تصريح لــ"إرم نيوز" أن "القانون الجديد تلفه الضبابية، ويتمثل ذلك في أن التوجه إلى مكان معد أو مهيأ يعتبر جريمة يستحق عليها 6 أشهر سجنًا، وما يتخلل ذلك من لبس، كما أن جريمة التحريض على الاستهلاك في القانون الجديد، يمكن أن تكون من خلال أغنية تتضمن عبارات فيها إشارة لمادة مخدرة، وعقوبة ذلك بين 10 و 20 سنة"، معتبرًا أن "في ذلك مساس بالحرية الشخصية، وكذلك حرية التعبير".

وتضمن القانون الجديد كذلك فصلًا يخص عقوبة الأجنبي، بالسجن والطرد من تونس لمدة 10 سنوات، وتصل إلى مدى الحياة إذا ثبتت عليه عملية الترويج والتهريب.

من جانبه، أكد النائب عن الجبهة الشعبية، مراد الحمادي، خلال نقاش داخلي للجنة الخاصة بالنظر في مشروع القانون الجديد، أن "الفصل 13 ترك إمكانية إخضاع المستهلك للعلاج خاضعة لإرادتين وهي السلطة التقديرية لوكيل الجمهورية والسلطة التقديرية للجنة الجهوية"، مضيفًا "الفصل 13 لم يعط إمكانية للمستهلك كي يطلب العلاج، كما أنّ اللجنة الجهوية لديها عديد الصور التي يمكن لها الاجتهاد فيها وهذا إشكال كبير في التحديد بين المستهلك والمدمن".

خوف من ارتفاع الوعي

أكد النائب السابق في المجلس الوطني التأسيسي، هشام حسني، في تدوينة نشرها على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن "إلغاء الحكومة للقانون 52 المتعلق بالمخدرات  يأتي على خلفية الخوف من تصاعد الوعي لدى الشباب التونسي"، مشيرًا إلى أن "هكذا الحكومة تتصدى لهذه الظاهرة الخطيرة".

تشجيع على الاستهلاك

واعتبر المختص في علمي النفس والاجتماع، الحبيب تريعة، أن هذا القانون الجديد "لئن كان قادرًا على التخفيض من عدد نزلاء السجون بتهم استهلاك المخدرات، فهو يمكن أن يزيد من المشاكل بما أنه سيسهل عملية الاستهلاك".

ورأى الدكتور تريعة أن هذا القانون "ستكون سلبياته أكثر من حسناته، بما أنه لن يفيد المجتمع التونسي في شيء، فهو لا يحمل في مضمونه الردع ولا يهتم بصحة المواطن التونسي، بل على العكس من ذلك فهو يسهل الاستهلاك"، مؤكدًا أنه "لا يمكن المقارنة بين المجتمع التونسي والمجتمعات الأوروبية"، في إشارة إلى من يطالب بإلغاء القانون وفق مرجعيات معينة، دون النظر العميق إلى المخاطر التي يمكن أن تلحق بالمجتمع التونسي، على المديين المتوسط والقريب.

وشدد الدكتور تريعة على ضرورة إعداد الظروف المناسبة لتطبيق مشروع القانون الجديد، والبدء أولًا بتوفير مراكز العلاج من الإدمان في جميع المناطق التونسية، موضحًا أن الخطأ الأكبر يتمثل في أن من يشجع على المصادقة على هذا القانون وتطبيقه، لم يقم بدراسة علمية للجوانب الطبية والعلمية والاجتماعية لهذه الظاهرة، بل اقتصر على الجانب القانوني، مؤكدًا أنه "إذا لا يحم الفرد نفسه من المخاطر، فعلى الدولة أن تتدخل وتقوم بحمايته من أي خطر يتهدده، ويمكن أن يصل إلى بقية أفراد المجتمع".

يشار إلى أن نحو 30% من مجموع المساجين في تونس متورطون في قضايا استهلاك مادة  القنب الهندي والذين يتراوح عددهم بين 6 آلاف و7 آلاف سجين، بحسب تقرير كانت أصدرته منظمة "هيومن رايتس واتش".

يذكر أن القانون 52 المتعلق بالمخدرات، تمت المصادقة عليه منذ 1992، وهو يلزم فرض عقوبة بالسجن لمدة لا تقل عن سنة على كل من يُدان باستخدام أو حيازة مخدر غير قانوني، ويفرض عقوبة بالسجن تصل إلى 5 سنوات على كل من يعود إلى ارتكاب هذه الجريمة من جديد.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com