السودان.. تقشف واحتجاجات مع تراجع الاقتصاد‎
السودان.. تقشف واحتجاجات مع تراجع الاقتصاد‎السودان.. تقشف واحتجاجات مع تراجع الاقتصاد‎

السودان.. تقشف واحتجاجات مع تراجع الاقتصاد‎

 يشغل المتجر الصغير، الذي يملكه محمد ياسين، موقعا جيدا في الخرطوم، لكن معظم أرففه خالية،  بسبب هبوط الجنيه، وسلسلة من إجراءات خفض الدعم أدت لارتفاع الأسعار وعزوف الزبائن عن الشراء.

وقال ياسين البالغ من العمر 44 عاما: "الأسعار ترتفع يوميا بعد قرارات الحكومة ولم يعد بوسعنا إعادة ملء الأرفف لأن رأس مالنا يفقد قيمته".

وأضاف: "هبطت المبيعات كثيرا... لا نعرف إلى متى نستطيع التعامل مع الأمر، نخشى أن نتوقف عن العمل".

وأذكى التضخم الذي تقترب نسبته من 20% والإجراءات التقشفية التي اتخذتها الحكومة، استياءً متزايداً واحتجاجات نادرة في السودان في الأسابيع القليلة الماضية.

ولا تزال الاحتجاجات حتى الآن محدودة، لكن حكومة الرئيس عمر حسن البشير التي تضع في اعتبارها الغضب الشعبي الذي أطاح بعدد من الحكام العرب في 2011، سارعت لإسكات انتقادات وسائل الإعلام.

وتتصاعد المشكلات الاقتصادية التي يواجهها السودان منذ انفصال جنوب السودان العام 2011، ليأخذ معه ثلاثة أرباع إنتاج النفط وهو المصدر الرئيس للعملة الأجنبية والدخل الحكومي.

وفي ظل تراجع عوائدها بدأت الحكومة خفض الدعم على الوقود والكهرباء في 2013، وأعلنت جولة جديدة من التخفيضات في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني، مما أدى لارتفاع أسعار البنزين بنسبة 30% تقريبا.

في الوقت نفسه سعى السودان لتخفيف أزمة نقص الدولار من خلال استحداث سعر ثان للصرف إلى جانب السعر الرسمي وهو 6.4 جنيه مقابل الدولار.

ويسمح ما يسمى بنظام الصرف الأجنبي التحفيزي للبنك المركزي بشراء الدولار من العاملين السودانيين بالخارج بنحو 16 جنيها سودانيا ويهدف إلى تعزيز تدفق العملات الأجنبية على النظام المصرفي.

وسعى السودان لخفض الطلب على الدولار وحماية الصناعة المحلية فحظر واردات اللحوم والأسماك وزاد التعرفة الجمركية على سلع أخرى، لكن القيود فاقمت التضخم في بلد ما زال يعتمد بشدة على استيراد السلع.

وقالت فاطمة صالح، وهي موظفة حكومية تعيل أسرة من خمسة أفراد: "الحياة أصبحت غير محتملة، أسعار الخضراوات واللحوم والسكر والنقل في ارتفاع مستمر والحكومة لا تشعر بنا، لا ندري ماذا نفعل".

استياء متزايد

وبينما يشعر المزيد من السودانيين بوطأة الأزمة المالية يزداد الاضطراب، وفي الأسبوع الأخير شهدت الخرطوم ومدن أخرى احتجاجات نادرة.

ونظم أكثر من 150 محاميا اعتصاما بوسط الخرطوم، وفي أجزاء أخرى من العاصمة استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين الذين أغلقوا طريقا.

ونتيجة دعوة نشطاء لعصيان مدني مدته ثلاثة أيام، ساد هدوء أكثر من المعتاد شوارع الخرطوم هذا الأسبوع، بينما لزم بعض المعلمين والصيادلة وغيرهم منازلهم.

وألقت السلطات القبض على أربعة معارضين وأغلقت قناة تلفزيونية، وصادرت طبعات أربع صحف في الأسبوع الأخير.

ووفق وكالة الأنباء رويترز، لم يتسن الوصول لمسؤولين حكوميين للتعقيب، لكن رابح عبد الفتاح المسؤول الكبير في الحزب الحاكم الذي يتزعمه عمر البشير، قال إنه كان لا بد للحكومة أن تخفض الدعم.

وأضاف أن سياسات الدعم ستؤدي إلى كارثة وعبء على الاقتصاد، مشيرا إلى أن الدعوة للعصيان المدني فشلت لأن من أطلقوها محل شك ومن أيدوها ليس لهم ثقل سياسي.

وتزداد الأزمة تفاقما في اقتصاد متعثر بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة العام 1997 على حكومة اتهمتها واشنطن برعاية الإرهاب، وتم تشديد العقوبات العام 2006 لدور البشير في الصراع في دارفور.

وتواجه الشركات صعوبات في الحصول على الدولار من البنوك الممنوعة بموجب العقوبات من تلقي تحويلات من الخارج، وهو ما اضطرها للجوء للسوق السوداء حيث الأسعار أعلى.

وقال مسؤول مالي بشركة تستورد المنتجات الزراعية: "مثلنا مثل كل المستوردين نشتري العملة الأجنبية من السوق السوداء في بعض الدول وهي تباع هناك بأسعار أعلى من الخرطوم نتيجة العقوبات الأمريكية التي تحظر التحويلات للسودان".

وأضاف: "نعدل أسعار منتجاتنا يوميا بناء على سعر الدولار.. نعمل في هذا المجال منذ سنوات طويلة لكن هذه أصعب فترة في تاريخنا".

خيارات محدودة

تحد عزلة السودان من خياراته، وتسعى المحكمة الجنائية الدولية للقبض على رئيسه لاتهامه بارتكاب جرائم حرب.

وعلى النقيض من مصر، التي ساعدتها إصلاحات اقتصادية أجرتها على نيل موافقة صندوق النقد الدولي الشهر الماضي على إقراضها 12 مليار دولار، يقف السودان وحده.

ونتيجة تركيز البشير على تعزيز قبضته على الحكم ومحاربة المتمردين في دارفور ومناطق أخرى عانى الاقتصاد إهمالا لفترة طويلة.

وكانت حكومة البشير تعتمد على النفط، ولم تستعد كما يجب للصدمة الاقتصادية التي خلفها انفصال الجنوب، فواجهت صعوبات كبيرة للتعامل مع الموقف.

ويقول منتقدو البشير إن الإنفاق العسكري يستنزف الميزانية، ويطالبونه بالسعي إلى السلام قبل خفض الدعم.

وقال محمد الجاك، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الخرطوم، إن على الحكومة اتخاذ خطوات جادة إزاء خفض الإنفاق.

وقال محمد إسحق (19 عاما) الذي يعمل في ورشة حدادة: "أتقاضى 50 جنيها في اليوم... لكن هذا لا يكفي للإفطار والمواصلات".

وتابع: "كل الأسعار ارتفعت... والدخل ثابت. لا أعرف ما هو الحل."

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com