"عقاب" اقتصادي ضد أمريكا.. كيف ستردُّ السعودية على "جاستا"؟
"عقاب" اقتصادي ضد أمريكا.. كيف ستردُّ السعودية على "جاستا"؟"عقاب" اقتصادي ضد أمريكا.. كيف ستردُّ السعودية على "جاستا"؟

"عقاب" اقتصادي ضد أمريكا.. كيف ستردُّ السعودية على "جاستا"؟

تتجه أنظار المحللين السياسيين والصحف العربية والعالمية، إلى الطريقة التي سترد بها السعودية ودول الخليج الأخرى، على قانون "جاستا" الأمريكي، الذي أقره مجلس الشيوخ هذا الأسبوع.

ويجيز القانون المثير للجدل، لضحايا الأعمال الإرهابية في الولايات المتحدة، وتحديدًا أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، أو لعائلاتهم، مقاضاة حكومات أجنبية وعلى رأسها الحكومة السعودية، للحصول على تعويضات مالية.

وتساءل محللون سياسيون، إن كانت دول الخليج تمتلك وسائل للرد على هذا القانون، الذي وصفوه بأنه "سابقة في العلاقات الدولية".

وفي إجابتهم على هذا التساؤل، يؤكد المحللون ذاتهم، أن "دول الخليج خاصة السعودية لديها ترسانة من الردود، نظرًا لأنها تلعب دور الحليف الرئيس للولايات المتحدة في المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب، ونظرًا للعلاقة القوية بين الرياض وواشنطن في المجالات السياسية والاقتصادية والنفطية والاستثمارية".

ويضيف المحللون أن "السعودية تعتبر أيضًا المستثمر الـ13 في الولايات المتحدة، إذ تملك الحكومة السعودية ما يقدر بنحو 116 مليار دولار على شكل سندات خزينة أمريكية تشكل حوالي 30% من إجمالي استثمارات الحكومة السعودية في أوراق مالية في الخارج، ونحو 20% من إجمالي الموجودات الخارجية التي يديرها البنك المركزي السعودي (ساما) والتي بلغت حوالي 578 مليار دولار نهاية آب/ أغسطس الماضي".

كما تعد السعودية ثاني أكبر سوق لمنتجات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذ بلغت الصادرات الأمريكية من السلع للمملكة نحو 9.37 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، في حين بلغت الواردات الأمريكية من السعودية حوالي 9.31 مليار دولار، معظمها واردات نفطية، مما يجعل السعودية أكبر مصدر إقليمي للنفط للولايات المتحدة، بحسب المحللين.

من جانبها، تعد الإمارات -شريكة السعودية في مجلس التعاون الخليجي- أكبر سوق للمنتجات الأمريكية في المنطقة، إذ بلغت وارداتها من السلع من الولايات المتحدة، حوالي 13.3 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري.

كما تعتبر الإمارات من أكبر المستثمرين في الولايات المتحدة، إذ يتم استثمار جزء كبير من أصول جهاز أبوظبي للاستثمار -المقدرة بنحو 792 مليار دولار- في السوق الأمريكي.

وقال المحلل السياسي والأستاذ في جامعة الإمارات في مدينة العين، عبدالخالق عبدالله: "ينبغي أن يكون واضحًا لدى الولايات المتحدة وبقية العالم أنه إذا تم استهداف دولة من دول مجلس التعاون بكيفية غير عادلة، فإن باقي أعضاء المجلس سيدعمونها"، مشددًا على أن "جميع أعضاء المجلس سيساندون المملكة بكل ما يملكونه من الطرق والأساليب".

الإعلام السعودي.. انتقادات وتساؤلات

وفي تعليقها على قانون "جاستا"، أعربت صحيفة "الرياض" السعودية، عن اعتقادها بأن هذا القانون سيُعرض مصالح الولايات المتحدة لـ"الخطر".

وتساءلت الصحيفة: "كيف ستكون العلاقات الدولية بعد جاستا؟ هل ستكون سيادة الدول معرضة للانتهاك؟ هل ستكون أمريكا بمنأى عن تداعيات هذا القانون غير المسبوق؟"، مضيفة "هناك الكثير من الأسئلة التي ستُطرح حول هذا القانون الذي يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الدولية تشوبها الفوضى وعدم الاتزان".

وتابعت الصحيفة أن "كل الآراء بما فيها الصادرة عن الإدارة الأمريكية، رأت في القانون سابقة خطيرة تعرّض مصالح ومواطني الولايات المتحدة للخطر، كون تنفيذه لن يقف عند الحدود الأمريكية دون حدود الدول الأخرى، فمن حق مواطني أي دولة أن يرفعوا دعوات على الحكومة الأمريكية في بلادهم إذا رأوا أن ذلك يحقق مصالحهم، خاصة أن هناك الكثير ممن يعتقدون أن السياسات الأمريكية جلبت الضرر إليهم".

من جانبه، قال الكاتب السعودي جميل الذيابي، في مقال نشرته صحيفة "عكاظ": "الأكيد أن المملكة ستعمد - قبل كل شيء- إلى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، فما دامت ممثلياتها في أمريكا لا تنعم بحصانة، فإن الممثليات الأمريكية في المملكة لن تكون محصنة ضد من يريدون مقاضاة الحكومة الأمريكية، أو الجيش الأمريكي، خاصة أن أمريكا لها تاريخ حافل بالدم، وقادت غزو العراق، وأفغانستان في الألفية الجديدة. كما أن هناك متضررين من معتقلاتها في غوانتانامو وغيرها."

وتوقع الكاتب أن "تلجأ المملكة للرد اقتصاديًا مما سيؤدي إلى تباطؤ الصفقات التجارية عما كانت عليه من قبل، وسيعاد النظر في كثير من الأصول والاستثمارات الأمريكية، إذ ستواجه صعوبات جمة، فضلًا عن أن تدهور ثقة المستثمر في الولايات المتحدة سيجعله يفكر في خيارات أخرى."

وأضاف أن "الرد الاقتصادي سيشمل إمكانية بيع الأصول السعودية لدى الولايات المتحدة، كسندات الدين السيادي، والودائع، واتفاقات التمويل، إضافة إلى احتمال بيع المملكة أرصدة أخرى، لحمايتها من قيام المحاكم الأمريكية باحتجازها، على أن تستثمرها في الداخل وفي بلدان أخرى".

ويشير المحللون إلى أن "الوسائل الأخرى المتوافرة لدى السعودية للرد على تشريع جاستا، تشمل تخفيض مستوى العلاقات والاتصالات الرسمية بين البلدين، وسحب الأرصدة، وإقناع شركائها في مجلس التعاون الخليجي بتقليص استثماراتها في السوق الأمريكي، وتقليل تعاونها مع واشنطن في مجال محاربة الإرهاب، ووقف منح الولايات المتحدة أية تسهيلات في القواعد الجوية".

من جهته، قال الكاتب في صحيفة "الشرق الأوسط" عبدالرحمن الراشد: "جاءت ردود الفعل غاضبة من السعودية، على المستوى الشعبي، وشامتة من خصومها. وهناك من قدّم النصائح يحثها على اتخاذ مواقف سياسية عدائية مضادة للولايات المتحدة، لكن لحكومة الرياض تاريخ طويل في التعامل مع الأزمات، وتملك رصيدًا من الحكمة والتروي يجعلها تبحث عن حلول لإصلاح ما قد يفسده التشريع الظالم".

واستبعد الراشد أن "تفرط السعودية في علاقتها مع الولايات المتحدة لأسباب كثيرة، استراتيجية وتاريخية. ونظام إيران يعمل منذ فترة لتخريب علاقة الرياض بواشنطن، وسيكون سعيدًا أن يرى السعوديين على خلاف مع حليفهم القديم. وهذا ما كان يريده أيضًا بن لادن، عندما خطط وأرسل الإرهابيين لتنفيذ تلك الهجمات على نيويورك وواشنطن لتقويض العلاقة السعودية الأمريكية".

واعتبر أنه "لا تزال هناك احتمالات بإصلاح ما قد يفسده تشريع جاستا، من خلال التعاون مع الإدارة الأمريكية المقبلة بعد الانتخابات. والذين يحثون السعودية على تقليص علاقاتها هم الذين أسدوا النصائح الغبية نفسها للأنظمة السابقة في العراق وليبيا. لا يفترض التفريط في هذا الرصيد الكبير رغم عدم عدالة قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب".

أما صحيفة "سبق" فقد نشرت مقالًا قال: "وأخيرًا نجحت القاعدة وداعموها الإقليميون في الإيقاع بين الحليفين؛ فبعد 15 عامًا من أحداث 11 من سبتمبر المريرة، والتي كان الهدف الأبرز منها ضرب العلاقات بين البلدين الحليفين، عبر نجاحها في تجنيد 15 إرهابيًا من السعودية لضرب أبراج التجارة العالمية في مانهاتن بنيويورك، في عمل إرهابي مشين كلّف المسلمين كثيرًا؛ ها هي فصول المخطط تكتمل كما أرادت القاعدة وأخواتها".

بدوره، رأى أستاذ ورئيس قسم القانون الجنائي في كلية حقوق الإسكندرية، سليمان عبدالمنعم، أن "وجه الخطورة في تشريع جاستا هو أنه لا ينحصر فقط في مخالفته لمؤدي الحصانات الدبلوماسية المعترف بها للدول ذات السيادة وفقًا للقانون الأمريكي نفسه الذي لا يجيز مقاضاة حكومة دولة أجنبية أمام المحاكم الأمريكية. لكن وجه الخطورة يتمثل أيضًا في الأساس القانوني المتهافت الذي يبني عليه القانون المسؤولية القانونية لحكومة أجنبية أمام القضاء الأمريكي".

وأضاف عبدالمنعم، في مقال نشر مؤخرًا: "الحقيقة الثانية هي أن الكونجرس الأمريكي يحاول إلصاق مسؤولية التفجيرات الإرهابية بالدول التي يحمل الإرهابيون جنسيتها إذا كانت دولًا ثرية تمتلك فوائض مالية كبيرة داخل أمريكا بحيث يمكن استيفاء التعويضات التي قد يُحكم بها من هذه الأموال."

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com