سر الصفقة الأمريكية السعودية التي بقيت طي الكتمان لأكثر من 40 عامًا
سر الصفقة الأمريكية السعودية التي بقيت طي الكتمان لأكثر من 40 عامًاسر الصفقة الأمريكية السعودية التي بقيت طي الكتمان لأكثر من 40 عامًا

سر الصفقة الأمريكية السعودية التي بقيت طي الكتمان لأكثر من 40 عامًا

‫كشفت وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية النقاب عن صفقة سرية بين السعودية وأمريكا منتصف سبعينيات القرن الماضي، توضح حرصا أمريكيا على التعاون مع السعودية، في المجال النفطي ، بهدف وقف تدهور الاقتصاد الأمريكي.

وتبدأ حكاية الصفقة في شهر تموز العام 1974  حين قام ويليام سيمون وزير المالية المعين حديثاً في الحكومة الأمريكية بالتوجه إلى منطقة الشرق الأوسط لتدارك الموقف الاقتصادي الصعب لبلاده، نتيجة للحظر الذي فرضته دول مجموعة أوبك ردًا على المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل في تلك الفترة والتي رفعت سعر النفط أربعة أضعاف مما أسهم في زيادة التضخم وانهيار السوق المالي  وإصابة الاقتصاد بالعجز.

وبالنسبة لسيمون الذي لم يكن قد أمضى وقتاً طويلا في حكومة نيكسون، فقد بدا أنه غير مناسب لمثل هذه المهمة الدبلوماسية.  فقد كان هناك العديد من الشكوك التي تثار حول هذا الشريك، تاجر السندات المالية وأسطورة شركة الأخوين سولومون  في وال ستريت والذي لم يكن محبباً في واشنطن لغروره، حيث قام بانتقاد شاه إيران الحليف المقرب لأمريكا في ذلك الوقت علانية ووصفه بالجنون وذلك قبل زيارته إلى المملكة السعودية باسبوع واحد فقط.   

ولكن سيمون يعتبر أفضل من أي شخص آخر حيث كان يدرك جيداً رغبة الولايات المتحدة  بتمديد ديونها والشخص المناسب أيضاً لإقناع السعودية بأن أمريكا هي الملاذ الأمن لحفظ اموالها من النفط. ونتيجة لذلك قررت إدارة الرئيس نيكسون المضي في هذه المهمة التي سيكون لها أكبر الأثر في تقريب العلاقات الأمريكية السعودية على مدى الأربعة عقود القادمة.

وبينما كان الإطار العام للمهمة بسيطاً حيث يقضي بأن تشتري أمريكا النفط من السعودية مقابل تزويد الأخيرة بحاجتها من المعدات والمساعدات العسكرية. وفي المقابل فإن السعودية ستقوم بضخ المليارات من عوائد النفط  في الخزائن الأمريكية  وتمويل نفقات الحكومة الأمريكية.

كان هناك العديد من الاجتماعات السرية للتخطيط لهذه المهمة والعناية بكافة تفاصيلها، و بعد عدة شهور من هذه الاجتماعات والمفاوضات بقيت عقبة واحدة صغيرة ولكنها مهمة جداً حيث طالب الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود أن يتم التكتم تماماً على هذه الصفقة. وهذا ما تبين في إحدى البرقيات التي حصلت عليها "بلومبيرغ" من الأرشيف الوطني الأمريكي.

ورغم وجود العديد من المفوضين العاملين على هذه الصفقة فقد تم الاحتفاظ بالسرية المطلقة لأكثر من أربعة عقود حتى الآن. ولكن طبقاً لقانون حرية الحصول على المعلومات والطلب الذي تقدمت به "بلومبيرغ" للحصول على معلومات حول هذه الصفقة وعملاً بقانون الشفافية فقد تم الكشف عن العديد من البيانات التي تخص الحسابات السعودية وكافة المعلومات عن هذه الصفقة والتي أفصحت عن كون المملكة أكبر مقرضي الولايات المتحدة الأمريكية حيث بلغت قيمة هذه القروض ما يقارب 117 مليار دولار.   

وقد تمخضت هذه المعلومات عن العديد من الأسئلة التي كانت أكثر بكثير من الأجوبة التي كشفتها. فيما صرح أحد المسؤولين في وزارة المالية الأمريكية طالبا عدم الإفصاح عن هويته أن الرقم الرسمي لهذه القروض يقل إلى حد كبير عن الرقم الحقيقي والذي قد يكون الضعف أو أكثر.

فالرقم الحالي يمثل حوالي 20% فقط من احتياط  النقد الأجنبي والبالغ 587 مليار دولار والذي يعتبر أقل بحوالي الثلثين من احتياطي موجودات البنك المركزي العادية من الدولارات. ويعتقد بعض المحللين بأن السعودية تقوم بإخفاء قروضها لأمريكا عن طريق اعتبارها استثمارات في مراكز مالية حول العالم والتي قد تظهر أحياناً في بيانات حسابات بعض الدول.

وفي الحقيقة ان قيمة هذه القروض تبدو مهمة جداً الآن أكثر من أي وقت مضى سيما مع توتر العلاقات بين البلدين وحاجة السعودية إلى المزيد من التمويل لدعم خططها ما بعد النفظ.

وبالنظر لأزمة النفط الحالية والتي زادت من حاجة المملكة السعودية للسيولة النقدية فإن هناك مراجعة سعودية حيال أهمية استخدام موقفها المالي القوي كسلاح سياسي في العالم كما فعلت في فترة السبعينات.

وفي شهر نيسان حذرت السعودية بأنها ستبدأ بالقيام ببيع سندات مالية بقيمة 750 مليار دولار وغيرها من الأصول في حال قام مجلس الشيوخ الأمريكي بالموافقة على قانون يسمح لمتضرري هجمات الحادي عشر من أيلول بمقاضاة السعودية. ويأتي هذا التهديد وسط الحملات الانتخابية التي يتصارع فيها المرشحون الديمقراطيون والجمهوريين لرفع السرية عن المخطوطة رقم 28 في تقرير الحكومة لعام 2004 والتي قد تزعم ضلوع السعودية بالهجمات المذكورة. والقانون حاليا يتم النظر فيه من قبل مجلس النواب بعد الموافقة عليه من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي.   

وقال رئيس السياسات النقدية العالمية في شركة براون مارك تشاندلر: "لنأخذ بعين الاعتبار أن الحكومة السعودية قد تكون جادة حيال هذا التهديد، فالسعودية ترزح تحت ضغوط شديدة وعلينا ان لا نقلل من شأن شركائنا". فالسعودية تواجه الكثير من المتطلبات لتأمين الرعاية الصحية وإعانات المحروقات والزيادات السنوية وغيرها لمواطنيها.

وتعتبر الوكالة أن الالتزام بمواثيق التكافل بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية والتي انبثقت عنها صفقة سيمون والتي أدت في النهاية إلى ربط الدولتين مع بعضهما رغم اختلافهما في العديد من المبادئ يكشف ظهور بعض الانسلاخات. فإن قيام أمريكا خلال عهد الرئيس أوباما باتخاذ خطوات أولية للتقارب مع إيران والتي توجتها صفقة إيران النووية العام الماضي قد دفعت أمريكا للتوجه إلى التقليل من اعتماد اقتصادها على النفط.    

وعلق ممثل الشرق الأوسط  في مركز وودرو الدولي دايفيد اوتاوي قائلا: "إن شراء السندات المالية كان عبارة عن استراتيجية لإعادة عوائد النفط السعودي إلى الخزينة الأمريكية، إنها علاقة مقيدة وتدعو للالتباس".

الاحتفاظ بالسرية 

وعودة إلى عام 1974 فإن تزييف هذه العلاقة مع الاحتفاظ بالسرية التامة تخلو من العقلانية تماماً على حد تعبير الوكالة، فإن العديد من الحلفاء الآخرين مثل بريطانيا واليابان يعتمدون أيضاً على النفط السعودي ويرغبون أيضاً بإبقاء عوائد هذا النفط واستثمارها في اقتصادهم الداخلي.  فالجميع كان يرغب بشدة بوضع أيديهم داخل الجيب السعودي .وبالنسبة للسعوديين فإن إصرارهم كان قوياً على الإبقاء على سرية مثل هذه الصفقات.

ومع زيادة التوتر داخل العالم العربي بعد أحداث حرب يوم الغفران وازدياد العداء العربي لأمريكا بسبب دعمها لإسرائيل. فقد كان الهاجس الأكبر لدى الملك فيصل أن تنتهي أموال النفط السعودي بشكل مباشر أو غير مباشر في يد العدو الأكبر إسرائيل على شكل مساعدات أمريكية.

وكان لدى موظفي وزارة المالية الأمريكة الحل بأن يسمحوا للسعودية بالدخول من الباب الخلفي عبر ترتيبات معينة مثل الدخول في العطاءات التنفاسية العادية والمزايدات لشراء السندات المالية الأمريكية والتي كانت لا تظهر في الحسابات الرسمية ولا يمكن  تتبعها.

وقد كان هناك المزيد من الاستثناءات التي تم ترتيبها للسعودية فعندما قامت الخزينة بالكشف عن قروضها الخارجية، قامت بربط القروض السعودية مع 14 دولة  تحت مسمى "البلدان المصدرة للنفط" والذي استمر لأكثر من أربعة عقود.

وأظهر هذا الترتيب العديد من المشاكل فبسبب هذه التسهيلات المقدمة من الخزينة الأمريكية فتح باب آخر من عدة بنوك مركزية للمطالبة بتسديد بعض الديون التي تجاوزت السقف في عدة مناسبات.

وفي إحدى المذكرات الداخلية بتاريخ تشرين الأول لعام 1976 كشف عن بعض التفاصيل حول النية لاقتراض مبلغ 800 مليون دولار. وقد قام إثنان من البنوك المركزية لم يتم الكشف عنهما بتقديم طلبات لشراء سندات بقيمة 400 مليون دولار لكل منهما. وقد حصل أحد هذين البنكين في نهاية ذلك اليوم على مكافأة مجزية لحمايته الحكومة الأمريكة من تجاوز السقف.

لقد تم إخفاء هذه الأخطاء والعثرات جيداً وتم العناية بموقف الحليف الشرق أوسطي الكبير وحماية المقرض الأكبر من التدقيق في حساباته والكشف عنها. وعلى مر السنين استخدمت الخزينة الأمريكية مبدأ حماية أسرار المستثمرين في البلدان التي يتم استخدام السندات المالية فيها على أضيق نطاق كخط دفاعها الأول.

واستمرت هذه الإستراتيجية حتى بعد أن اكتشف مكتب المسائلة الحكومي في التحقيق الذي أجراه عام 1979  عدم وجود أي أساسات قانونية لهذه السندات. ولم يملك هذا المكتب السلطة لإجبار الخزينة الأمريكية على تقديم البيانات حيال هذه الخروقات، وكان الرد الوحيد هو الالتزام بمبدأ سرية الخصوصية المتعلقة بالمملكة العربية السعودية وغيرها من دول منظمة الدول المنتجة للبترول أوبك.  

إلى ذلك، قال سيمون بعد عودته إلى وال ستريت في شهادته أمام الكونجرس الأمريكي بأنه حسب التقارير الإقليمية فإن نظام المزايدات الإضافية لشراء السندات المالية كان الأنسب بالنسبة للمملكة العربية السعودية. وكان واضحاً جداً أن موظفي المالية لم يكونوا على استعداد للتعاون في الكشف عن المزيد من المعلومات. ويقول ستيفن ماكسبادين مستشار في الكونجرس الأمريكي : "لقد كنت عضواً في اللجنة الفرعية في الكونجرس لمدة 17 عاماً ولم أر خلال هذه الفترة شيئاً يشبه هذا".  

لقد كان يجب العمل على تفكيك هذه الترتيبات السرية مع السعودية منذ زمن طويل ومن المفاجئ جداً بأن الخزينة الأمريكية لا تزال تحتفظ بهذه المعلومات سراً طوال هذا الوقت. فقد كان إتمام الصفقة مربحا جداً للولايات المتحدة الأمريكية ليبقى سراً طوال هذا الوقت.  

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com