لماذا غيرت اسرائيل موقفها من الأسد؟
لماذا غيرت اسرائيل موقفها من الأسد؟لماذا غيرت اسرائيل موقفها من الأسد؟

لماذا غيرت اسرائيل موقفها من الأسد؟

لماذا غيرت اسرائيل موقفها من الأسد؟

نظير مجلي

تغيير الموقف الاسرائيلي من نظام الرئيس بشار الأسد، كما عبر عنه سفيرها في واشنطن، مايكل أورن، جاء ليحسم نقاشا طويلا وممضا جرى في صفوف القيادات العسكرية والسياسية منذ بداية الحرب الأهلية في سورية. فقد كان البعض ومنذ البداية يطالب باتخاذ موقف يدعو إلى إسقاط الأسد، وأبرزهم شمعون بيرس، الذي اعتبره "رأس حربة في محور الشر الايراني" واعتبر سقوطه "ضربة قوية للنظام الايراني ستترك أثرها على موقف الملالي في طهران قد يقود حتى إلى التراجع عن مشروع التسلح النووي".

وقد أيد بيرس في هذا الموقف عدد من الوزراء، وقسم من قيادة "الموساد" (جهاز المخابرات الاسرائيلي الخارجي).

وقد فسروا موقفهم بالقول إن اسرائيل يجب أن تكون مع التحالف الغربي في هذه المعركة بشكل صريح، حتى تكون لها حصة في المستقبل عندما يبدأ "تقسيم الكعكة". لكن غالبية القيادات، خصوصا الأمنية، طلبت الامتناع عن إعلان موقف، وتركزت في متابعة الحرب الأهلية في سورية كمتفرجة من بعيد ولكن مع الحذر أن لا تمس اسرائيل.

وعندما كانت تشعر بأن أطراف الصراع في سورية نسيت أن هناك لاعبا اسرائيليا في الساحة، كانت قيادة الجيش ترسل تذكيرا لهم بواسطة الغارات الثقيلة على مخازن الأسلحة التابعة للنظام وتقصف قوافل السلاح إلى حزب الله وتهدد بضربات أخرى أقسى وأشد، وفي الوقت ذاته كانت اسرائيل تقيم مستشفى ميدانيا عسكريا على حدود الجولان يستوعب بضع مئات من الجرحى السوريين لتظهر مدى دعمها الانساني وترسل بعض المواد الغذائية والأدوية إلى مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا.

عمليا، احتلت اسرائيل موقعا في الجبهة الغربية ضد النظام السوري، من دون أن تعلن موقفا رسميا ضده. وفي الوقت ذاته، لم تصعد الموقف عسكريا لدرجة تهديد النظام. وعندما كانت بعض قوى المعارضة تظهر في الاعلام الاسرائيلي وتناشد اسرائيل بأن تسقط هذا النظام، وتقول إن اسرائيل وحدها القادرة على إسقاط النظام السوري، كانت الدعوة تلقى آذانا صماء.

وكانت المصادر السياسية والأمنية تسرب للصحافة الاسرائيلية الموقف المعروف بأن سقوط الأسد ليس في مصلحة اسرائيل: فهو يمثل الثبات والاستقرار، وهو أثبت خلال 40 عاما من حرب أكتوبر أنه ملتزم بالهدنة ولم يسمح بإطلاق رصاصة من حدوده باتجاه اسرائيل. وبالامكان التعايش معه على هذه الحال 40 عاما أخرى. 

واليوم، بحجة "الغضب من استخدام النظام للسلاح الكيماوي"، تظهر اسرائيل كمن يحدث انعطافا في الموقف. والسبب يتعلق بمسألة الربح والخسارة. وقد ألمح السفير أورن إلى ذلك حين قال إنه "حتى تنظيمات القاعدة والجهاد العالمي أهون من نظام الأسد".

بماذا أهون؟    

هنا يكمن أحد أهم أسرار القيادات العسكرية الاسرائيلية في تاريخها. وهو: تفضيل قيادات عربية متطرفة متعصبة، تنادي بمحو اسرائيل عن الخريطة وتدميرها وترفض السلام معها. فمثل هذه القوى يسهل التعامل معها أكثر. فهي أولا لا تحظى بتأييد أي من دول الغرب.

وهي ثانيا تقع في المطبات أكثر من غيرها، لأن تعصبها يتيح رسم كل السيناريوهات المتوقعة منها ويسهل الايقاع بها ووضعها في قفص الاتهام أمام العالم.

وهذه القوى تقيم مصانع الانتصارات. فإذا أطلقت صاروخا تافها لا يصيب نملة، تباهت واحتفلت بالنصر، مع أن الرد الاسرائيلي عليه قد يؤدي إلى نتائج وخيمة من عشرات وربما مئات القتلى. فإذا كان هذا نصرا، لماذا يحتج العالم ضده؟  وإن أطلقت صاروخا يضرب تل أبيب، يصبح الرد استراتيجيا، مع أن مثل هذه الضربات كانت تكلف عادة ثمنا باهظا، مثلاغتيال قائد الجناح العسكري (عماد مغنية في حزب الله وأحمد الجعبري في قطاع غزة ومحمود المبحوح في دبي).

وفي مثل هذه الحالات أيضا، تستطيع اسرائيل متى تشاء وكيفما تشاء أن توجه اليها ضربات عسكرية فتاكة يدفع ثمنها الشعب البسيط. قد يكون ذلك عقابا لها على تصرف ما، مثل إطلاق صواريخ طائشة لا تصيب باتجاه اسرائيل.

وقد يكون ذلك تأنيبا على عمل ما. وقد يكون مجرد خطوة تخدم الحسابات الداخلية الاسرائيلية، مثل ضرورة اقرار زيادة في الميزانية العسكرية للجيش أو تجريب سلاح جديد مثل القبة الحديدية أو غيره. فكل هذه السيناريوهات حدثت مع غزة منذ انقلاب حماس وسيطرتها على الحكم في القطاع. ويمكن أن تحدث مرة بل مرات أخرى في عصرنا.

فإذا فازت جبهة النصرة وألوية الشام العراق وبقية تنظيمات الجهاد بالحكم في سورية ما بعد الأسد، سيكون لاسرائيل "كيس خبطات" في الشمال، يشبه "كيس الخبطات" في الجنوب، بلا حسيب ولا رقيب. لهذا، لن تأسف اسرائيل على غياب الأسد، حتى لو احتل محله "الجهاديون"، خصوصا وأن هذا الموقف سيجعلها أكثر قربا من  الولايات المتحدة وأوروبا، اللتين تحتاجهما بشدة في المعركة القادمة مع ايران.  

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com