مسلسلات رمضان.. أفكار مسروقة وإبداع غائب
مسلسلات رمضان.. أفكار مسروقة وإبداع غائبمسلسلات رمضان.. أفكار مسروقة وإبداع غائب

مسلسلات رمضان.. أفكار مسروقة وإبداع غائب

أطل علينا رمضان هذا العام بمسلسلاته المعتادة الحاضرة بالكم الكبير والغائبة بالنوعية، وليست المرة الأولى التي نجد فيها مسلسلا من هنا وآخرا من هناك قام باقتباس فكرة (مع الاعتراف بذلك) أو قام بسرقتها (وبذل القائمون على المسلسل الجهد الكبير لإنكار ذلك) إلا أن هذه الظاهرة التي بدأت تتفشى بكثرة، تدفعنا لطرح العديد من التساؤلات.

فمسلسل "دهشة" وهو من بطولة يحيى الفخراني، والمأخوذ عن قصة الملك لير (وقد وضع صناع المسلسل تنويها لذلك)، ولكن هل يعني حين ينوه أصحاب عمل ما على أن القصة مأخوذة من فيلم أو مسرحية أو الخ، يعفيهم من صياغة الفكرة بشكل مناسب وجيد؟ لن نطيل الشرح هنا بما تتحدث عنه مسرحية الملك لير الشائكة وذات الأبعاد العديدة، ولكن لنلخص ما استنبطه المسلسل منها، وهو تسليط الضوء على طمع الأبناء وجحودهم، لن نظلم "دهشة" في تقييمه، إلا أن المسلسل الذي بدأ رتيبا وبطيء الحركة تكاثفت حركته بشكل مفاجئ في نهايته وظهرت العديد من المشاهد دون إيضاحات كافية، ما يبدو وكأن كاتب العمل تفاجأ ببطء الأحداث التي أخذت معظم الحلقات فقرر إنهاء العمل بسرعة!



مسلسل "لو" المسروق من فيلم "الخائنة" لريتشارد جير، وبين "مسلسل" و"فيلم" فرق كبير في الساعات، والذي أظهر عمل المسلسل مطاطا، مقارنة بفيلم من ساعتين.

ليأتي مسلسل "ابن حلال" ويستنبط أيضا حادثة مقتل ابنة المطربة ليلى غفران وصديقتها، ليقدم مشهدا مماثلا في المسلسل لتلك الحادثة، والسؤال هنا.. لماذا؟

وطبعا لن ننسى مسلسل "سرايا عابدين" الذي حشدت له ميزانيات وفنانين وقنوات لعرضه، وكأن تقديم تكلفة ضخمة للإنتاج وديكورات فخمة، ستعفي صناع العمل من مساءلتهم عن ضعف الحبكة الدرامية وهشاشة السيناريو وتزييف التاريخ وغيرها من نقاط الضعف الكثيرة التي يشهدها المسلسل، وهو النسخة المقلدة أصلا من مسلسل "حريم السلطان".

لا مجال هنا لحصر العديد من المسلسلات الأخرى منها "العملية ميسي" لأحمد حلمي، و"السيدة الأولى" لغادة عبد الرازق، وكلها مأخوذه عن أفكار غربية.

الطريف في الأمر أن معظم القائمين على هذه المسلسلات مصرون على إنكار التقليد أو السرقة، غير معترفين بسعة معرفة المشاهد الذي لا يحتاج للكثير من الجهد ليكتشف الحقيقة، أو غير مكترثين للمشاهد في الأصل طالما أن دوره فقط ينحصر في التلقي.

ولكن أليس هناك أسباب ما لظاهرة السرقة والاقتباس؟






التهافت على الانضمام للماراثون الرمضاني

لعل من الأسباب التي تدفع لاستنساخ الأفكار مع غياب المعالجة الدرامية الصحيحة هو العجلة في كتابة السيناريو وحصره في موعد زمني قصير للحاق بالمنافسة الرمضانية، فأن تحشد كل هذا الكم الهائل من المسلسلات في شهر واحد ومعظمها يتم تمثيله في سنة واحدة فقط يجعلنا نتساءل، بأي زمن تمت كتابة السيناريو له؟

فالمعروف أن عمل الكتابة عمل مضني ويحتاج إلى تدقيق ومراجعة ومقارنة وحبك النص حواريا ودراميا، وهذا كله بحاجة إلى وقت كاف له، وهو ما يبدو أنه يغيب عن معظم كتاب السيناريو، بسبب العجلة، ما يدفعهم لتقديم سيناريو بأسهل الطرق، وهو نسخ قصة ما، من فيلم أو مسلسل أجنبي، ما يعفي الكاتب من جهد الإبداع، وحتى دون أن يعنيه تناسب القصة مع المجتمع العربي المقدمة له، فتأتي غالبا هشة وغير متناسقة في خيوطها الدرامية، وضعيفة الحبكة.



الشهرة بأقرب الطرق

يسعى العديد من كتاب السيناريو لإثبات أنفسهم على الساحة الفنية، ولوصول مسلسلاتهم إلى الشاشة الصغيرة، فيلجأ العديد منهم لكتابة العديد من الأعمال وفي وقت زمني قصير، وهو ما يؤثر على مضمون العمل نفسه وقيمته الفنية، فلا يعود السيناريست مهتما كثيرا بالتدقيق بما يقدمه ولا ببذل جهد للمراجعة، وهو المطب التي سقطت فيه الكاتبة هبة مشاري حمادة والتي كتبت سيناريو "سرايا عابدين"، ما أوقعها في فخ التاريخ، فيما لجأ غيرها من الكتاب إلى إيهام المشاهد بوجود أحداث هامة ستحدث، ليكتشف المشاهد في النهاية أن الرتابة والملل وتقديم مشاهد "حشو" فقط لا أهمية لها في السياق الدرامي، هي العامل المشترك في النهاية، ثم وصول العديد من كتاب السيناريست إلى طريق مسدود، حيث يبدو أن العمل الذي تمت كتابته بسرعة وصل إلى "عقدة" ما، ثم لم يستطع أن يبحث عن حل منطقي فأنهاها على عجلة، أو قدم مشاهد سريعة دون تفاصيل، كمشهد مقتل الفنان ياسر جلال في مسلسل "دهشة" والذي تسارعت الأحداث في نهايته دون ظهور أي مشهد يبين كيف تمت هذه الأحداث.



الانبهار بالغرب

لعل ظاهرة التقليد الأعمى للغرب ليست حكرا على المسلسلات وهو ما يبدو رائجا كثيرا في المنطقة العربية، فمحاولة استنباط ذات الأفكار من أعمال أمريكية وأجنبية ما هو إلى سعي للتمثل بالغرب، دون مراعاة فروق التاريخ والمجتمع والدين.

وربما ظن كاتب العمل أنه بذلك يبعد الشبهة عنه، حين يغوص في عالم الأفلام الأجنبية، معتقدا أن المشاهد العربي لربما أغفل العديد منها، ليميز إذا ما كانت هذه الأعمال قد تم اقتباسها أو سرقتها.



التقييد الرقابي وصرامة التقاليد وغياب القانون

طبعا، من أبرز وأهم أسباب الاقتباسات والسرقة، غياب قانون الحماية الفكرية، الذي يحاسب ويجرم سارقي هذه الأعمال، أضف إلى أن العديد من كتاب المسلسلات يقعون في مأزق مع العادات والتقاليد الصارمة للمجتمعات العربية ويواجهون رقابة صارمة بسببها، فلا يجرؤون على إطلاق خيالهم وإبداعهم والتطرق لمواضيع، لا تزال الرقابة تمنع الحديث عنها وتعتبرها مساسا بجوهرها، فقد حدث أن تم رفض عمل لكاتبة سيناريو فقط لأنها تطرقت إلى "نجاح المرأة المطلقة في حياتها".

فهناك نظرة معينة للمرأة لا يجوز أن يخرج العمل عنها، وهناك خروقات في مجتمعات عربية لا يجوز إبرازها، وهناك قضايا اجتماعية ودينية لا يجوز الولوج فيها، كل ذلك يجعل كاتب السيناريو يهرب من واقعه ليقتبس ويأخذ من أفكار الغير (فطالما هي من الآخرين إذا هي لا تمسنا) وعلى هذا المبدأ، يتم إحراج العديد من الكتاب، فحتى يحافظ على "باب رزقه" يجب أن يتبع ما يريده القائمون على المسلسل أو الرقابة أو القناة الإعلامية التي ستعرض العمل.

نحن لسنا ضد الأعمال المتنوعة، ولا ضد الاقتباس في حدوده المعقولة، ولا ضد الاستنباط من التاريخ وإبرازه بقالب جديد، ولكننا نريد عملا يليق بالعقول.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com