نفايات لبنان تلوث سياسييها
نفايات لبنان تلوث سياسييهانفايات لبنان تلوث سياسييها

نفايات لبنان تلوث سياسييها

مطالبة اللبنانين بتغيير النظام، ليست كمثل مطالبات شعوب دول ما أصطلح عليه بالربيع العربي، وهي ليست بالقطع إمتدادا لها، أو صدى لما أحدثته من قعقعة أو نسخة جديدة منها.

اللبنانيون عندما يطالبون بتغيير النظام، لا يطالبون بتغيير الرئيس كما في الدول العربية، فالرئيس في لبنان، غير ما عليه الرئيس في باقي الدول العربية سواء من حيث الصلاحيات أو من حيث طريقة الاختيار والتعيين. وهو قبل ذلك، أو فوقه غير موجود أصلا، ومنصبه شاغر منذ ما يزيد على عام دون أن تثير غيبته حفيظة أحد، أو استهجان آخر، إلا من باب المماحكة السياسية، أو التذكير بلزوم ما لايلزم.

فالرئيس في لبنان حتى لو كان نظريا رمزا للنظام، وتعبيرا من تعبيرات السيادة الوطنية وواجهة لها، هو رئيس منزوع الدسم، لا في هيكل الحكم، ولا في نصوص الدستور فقط، بل بين بارونات الشارع اللبناني، وورثة الإقطاع السياسي. وهو على الدوام تعبير عن توافق اللحظة الأخيرة بين الطوائف، أو توافق قوى الإقليم أو كلاهما، وهو توافق يجعل من الرئيس مدين للزعامات والقوى الحزبية، والإقليمية، التي توافقت على اختياره مع ما يعنيه ذلك من ضعف وهوان، وقلة حيلة في مواجهة تلك الزعامات.

وعندما تطالب المظاهرات التي خرجت في بيروت ، بإسقاط الحكومة ، لا تعني، حتى لو نجحت في مسعاها، أنها قادرة على تغيير معادلة المحاصصة التي تحكم التركيبة االلبنانية برمتها ، والتي تجعل قرارات وسياسات الدولة رهناً بإرادة أشخاص وقوى خارج المؤسسات الرسمية لا بإرادة وقوة من يدير الشأن العام.

ما يمكن أن تحققه المظاهرات في المدى المنظور، هو رمي حجر كبير في الواقع السياسي والتركيبة الطائفية الراكدة، التي تتحكم بمصير لبنان، وتسير أقداره، أو هز عروش بعض الزعامات الحزبية والعائلية التي تحكمت بتلك التركيبة، توطئة لتصعيد زعامات وأسماء بديلة كما حدث عقب الحرب الأهلية، حين تراجعت أو اختفت بعض الأسماء، وتبدلت الموازين والمواقع لأسماء أخرى خسرت في تلك الحرب أو ربحت منها.

بهذا المعنى فإن المظاهرات في العمق ليست موجهة ضد الحكومة أو النظام بقدر ماهي موجهة ضد الزعامات الطائفية التي لا تتغيرفي العادة، بإرادة الشارع وقوته. لكن المتظاهرين خرقوا هذه القاعدة عندما حشروا الطوائف السياسية والمذهبية وقياداتها في خانة واحدة ووضعوهم في نفس السلة، واستخفوا بخلافاتهم وتبايناتهم، وكشفوا عما بينهم من صفقات في الأعمال، وقسمة في الأدوار.

المتظاهرون، إلى الآن يبدون روحا جماعية في مواجهة الطائفية السياسية، لكنهم لا يستطيعون مهما تكاثرت أعدادهم، وارتفع ضجيجهم أن يغيروا المعادلة التاريخية والجغرافية التي قام عليها لبنان، أو القواعد ألاساسية للعبة والقائمة على المحاصصة الطائفية، التي ستظل بيضة القبان في أي اتفاق يخرج لبنان من أزماته الداخلية، أو يرتب مكانه في الإقليم.

فالنوايا الطيبة التي جمعت اللبنانين من مختلف الطوائف في مظاهرات بيروت، لا تملك الوسائل أو الإمكانيات لتغيير الواقع الطائفي والذي فشلت في تغييره، الحرب الأهلية، بطبعتها الساخنة التي امتدت أكثر من سبعة عشر عاما، أو نسختها الباردة المتواصلة منذ اتفاق الطائف وإلى الآن.

واتفاق اللبنانيين في الشارع لا يعني اتفاقا على السياسات ولا على توزيع الأدوار والحلول. فأزمة النفايات والأزمات المعيشية الأخرى التي وحدت اللبنانين في العناوين، لم توحدهم في التفاصيل، أو للتوافق على آليات عمل تساعدهم على إحياء وتنشيط عمل المؤسسات السيادية والخدمية. فمثل هذا التوافق لا يحدث في الشارع بل يحتاج إلى صياغات ومساومات، ومواثيق ونصوص أين منها ميثاق الاستقلال ونصوصه!

تحميل القيادات والزعامات اللبنانية التقليدية المسؤولية عن أزمات الخدمات، وعدم استثناء أي منهم ، من حملة "طلعت ريحتكم"، أو حملة "بدنا نحاسب" التي خرجت من رحمها، فيه رفع لسقف المطالب، وتحميل للشارع فوق طاقته .. وما يمكن أن يحققه المتظاهرون في ظل الإرث الثقيل من الأزمات الداخلية، وفي ظل الواقع الإقليمي القاتم، الذي تعيشه المنطقة بشكل عام، ولبنان بشكل خاص، ليس أكثر من فشة خلق قد تنجح في إزالة النفايات والقمامة من الشارع ، لكن من المؤكد أنها لن تكون قادرة على كنس النفايات السياسية التي تعيق عودة لبنان لدوره التاريخي كرئة يتنفس منها الشرق بهواء غير ملوث بنفايات الشارع أو نفايات السياسة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com