قناة السويس ما بين الخديوي اسماعيل والسيسي
قناة السويس ما بين الخديوي اسماعيل والسيسيقناة السويس ما بين الخديوي اسماعيل والسيسي

قناة السويس ما بين الخديوي اسماعيل والسيسي

محمد الغيطي

من حق التاريخ الان عقد المقارنة بين افتتاح قناة السويس الجديدة في اغسطس ٢٠١٥وافتتاحها الاول في عهد الخديوي اسماعيل في ١٨اغسطس ١٨٦٩، ولأنه كما يقول هيرودوت يوجد مؤرخون ولايوجد تاريخ ففد خرج علينا احد الناشطين الهاربين الى لندن والذي كان شيوعيا في عهد مبارك ثم نقل لخندق الاخوان بفعل الدولار والاسترليني واليورو ولهم من السحر مالهم في دكاكين النشطاء

المهم انه خرج ليقول في قنوات الاخوان ان قناة السويس لعنة على المصريين وانها تاريخيا كانت سبب الاستعمار وان الخديو اسماعيل في أواخر ايامة ندم على مافعله ومات مكتئبا لانها سبب ضياع ملكه وأضاف الناشط المتأخون انها ستكون وبالا على المصريين والعالم وانها ستعجل بحكم السيسي

طبعا لو سايرنا هذا المنطق الأعرج والأعمى ولو أنا مكان المتحدث الذي يحمل كل الغل للجيش المصري والسيسي سأدعم افتتاح القناة حتى يزول هذا الحكم كما يريدون ،ولكنهم يقولون كلاما ينسي بعضه بعضا ويحمل من التناقض ومشاعر البغضاء والحقد مايجعل عقلك يحتقر من يقوله ومن يردده

والواضح ان القائلين والمرددين لايعرفون علم التاريخ ولم يسمعوا عن عشرات الرسائل للماجستير والدكتوراة في موضوع قناة السويس تاريخها والصراع حولها عبر العصور المختلفة منذ ماقبل التاريخ ،بل ان عشرات المؤرخين الأجانب الذين عاشوا في مصر من اول علماء الحملة الفرنسية وحتى اللورد كرومر واللنبي ولامبسون وبيفن وديليسبس وجي فارجيت وكلهم كانوا سفراء او مناديب لبلادهم في مصر وكتبوا مذكراتهم حول الفناة واهميتها الاستراتيجية ومنافعها لمصر والعالم ولم يذكر احدهم انها لعنة او سبب لهزيمة بل بالارقام وحتى في أشد عصور الفساد المباركي ظلت تمثل ربع الدخل المصري القومي والشريان الأهم للعملة الصعبة والاحتياطي النقدي الأجنبي .

وتاريخيا تنبه الحكام المصريون من عصر الفراعنة لاهميتها في التجارة العالمية وربط مصر بالعالم الخارجي ،يذكر المؤرخ المصري القديم مانيتون ان سنوسرت الثالث احد اهم ملوك الاسرة الثانية عشرة الفرعونية كان اول من امر بحفر قناة تربط ببن بحر الشمال (المتوسط )وبحر الجنوب (الأحمر) وبالفعل حفر مهندسوه جزءا كبيراوصل لأحد أفرع النيل السبعة عند الزقازيق حاليا وتم استخدامة في النقل والتجارة وحملات مصر وفتوحاتها.

وتوالت العقود وأهملت القناة حتى جاء الإسكندر الاكبر وأعاد الحفر على نفس خط سنوسرت وأسماها قناة الإغريق وأهملت حتى جاء الاحتلال الروماني لمصر وأعيد الحفر ثم اهملت حتى الفتح الاسلامي وأرسل عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب وشرح له فكرة القناة وانها ستخدم الامبراطورية الاسلامية ووافق عمر وبعد اعادة اعدادها اطلق عليها اسم قناة أمير المؤمنين

وفي عهد السلطان العثماني ( ١٧٥٧-١٧٧٤) اقترح عليه مستشاره الفرنسي البارون دي توت فكرة حفر القناة كاملة بين البحرين -وواضح ان المحاولات السابقة كانت تقف عند نقطة معينة وتستكمل الرحلة بريا وفشلت هذه المحاولات فيما نجح فيه الفرعنه منذ اربعه الاف سنة - والغريب ان السلطان التركي تحمس للفكرة وكان سينفذها مع الحكومة الفرنسية لكنة مات مسموما

وأعاد طرح الفكرة لويس دي لانجيه على نابليون فتحمس جدا حتى انه وضع مشروع القناة ثالث هدف لحملته على مصر وعبر ثلاث سنوات قضاها كان معه علماء أقاموا بمنطقه القناة ووضعوا الخرائط والخطط ولم ينفذوا لسببين الاول نقص الأموال وثانيا وهو الأهم انتصارمحمد علي بفرقتِه الألبانية المرسلة من الآستانة ومعهم المصريين على جيش الفرنسيين وإخراجهم من مصر

المثير انه بعد تولي محمد علي تم طرح الفكرة علية اكثر من مرة وكان مستشاروه بينهم فرنسيون وهو كان يحب فرنسا اكثر من إنجلترا ولكنه قال قولا عبقريا ودالا وليت ابنه سعيد وخلفه اسماعيل استوعبا ما قاله ،قال مشروع القناة لابد ان يتم بشرطين الاول باموال مصرية والثاني ان توقع كل الدول الكبرى في العالم وثيقة حياد لاستخدام وإدارة القناة يلزم بها الطرف المصري والاطراف الأجنبية

الغريب ان المؤرخ الفرنسي فارجيت يقول ان الباشا محمد علي كانت لديه المقدرة لحفر الفناة باموال مصرية لكنه لم يضمن حياد الأجانب الذين اعتبروا مشروع القناة مخلب قط جديد او مصيدة يوقعون فيها الزعيم الجاثم ضد مطامعهم ولذلك كانت معاهدة لندن ١٨٤٠التي قلمت أظافره

للاسف لم ينتبه ابنه سعيد للمصيدة ودخلها بقدمية وبسبب عشقه للمعكرونة من يد صديقه ديليسبس ابن القنصل الفرنسي والذي تربى معه بالإسكندرية وعرض عليه المشروع الذي استهلك مليون ونصف مصري أهملوا ارضهم لحفر القناة بأموال صندوق الدين وكان الوالي سعيد ومن بعده اسماعيل يوقعون على الديون بفائدة غير مسبوقة ودون مراجعة وكانهم مخدرون

والنتيجة هي عند افتتاح القناة في عهد اسماعيل كانت ديون مصر ١٢٦مليون جنيه مصري رغم ان محمد علي خلف مصر دائنة لإنجلترا بعد ان أنقذها من مجاعة وأرسل القمح المصري وهم يحاربون الإسبان ،وايضاً كان الميزان التجاري مع فرنسا في صالح مصر ولكن مافعله سعيد وإسماعيل خصوصا طموح الأخير والفساد الذي تفشى في عهدةتسبب في توحش دول صندوق الدين وإحتلال مصر

واكبر دليل على الفساد الرهيب في عهد اسماعيل ان ديلسبس الذي يقال ان والدة مات مديونا للبنوك اليهودية الفرنسيه خرج من مصر بملايين الجنيهات واشترى احد البنوك الكبيرة التي حجزت على منزل والده ،ايضا اسماعيل المفتش وزير ماليه الخديو وأخوه في الرضاعة حول لتركيا أربعين مليون جنيه بخلاف المجوهرات وعندما اكتشف الخديوي الرقم امر بقتله ورمى جثته في النيل

مافعله السيسي هو تنفيذ لنصيحة مؤسس نهضة مصر الحديثة وعبقري كل الازمنة محمد علي الكبير ،حفر القناة باموال مصرية لذلك ولأول مرة في تاريخ مصر يستخرج المصريون من جيوبهم اكثر من ستين مليار جنيه ثقة في الحاكم وحبا وايمانا بمشروعه ومشروعيته وشرعيته وهو مايجعل نار الغل تأكل الاخوان والنشطاء المتأخونين

الامر الثاني الحفر والمشاريع الملحقة به ايضا عن إيمان حقيقي وحب وعزيمة وحماس وليست كرها او سخرة كما حدث مع الخديو ،إذن افتتاح القناة في عهد السيسي ليس فيه احتلال اجنبي او صندوق دين ولاسخرة او مسخرة وإنما شعب ينهض ويتقدم ويبني ويعيد اكتشاف نفسه مع زعيمه الذي توحد مع احلامه وطموحاته لتحويل الحلم لحقيقة والمستحيل لممكن ولو كره الكارهون .

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com