في ذكرى نزار ... الموت و الأيروتيكا!
محمد بركة
تحل في نهاية إبريل من كل عام ذكرى رحيل الشاعر الذي ملأ الدنيا و شغل الناس، مولانا نزار قباني صاحب "المعلقات " العصرية المقامة على أجساد النساء والمضخمة بعطر الأنوثة. تمرد الفتى السوري صاحب العيون الملونة و اللغة الحادة الجارحة التي لا تعرف اللون الرمادي على ازدواجية الرجل الشرقي في تعامله مع النساء: تقديس في الفراش و لعنات على الملأ !
من الصعب هنا إيراد مقاطع كاملة من نصوص الأديب الملقب بـ " شاعر النهود " لكن يكفي القول - مبدئيا - أنّه مزج الغزل الحسي و التوصيفات الأيروتيكية - الصادمة أحيانا للذائقة الدارجة - بالهجاء السياسي في توليفة نزارية جديدة " النهد الذهبي يهتف مثل القائد العربي تقدم للأمام " وجعل من الجمال النسائي ديكتاتورا لا يعرف الديمقراطية و يبحث فقط عن الخضوع المطلق من الطرف الآخر! كما أنه يباهي الدنيا بصنعه هرما من تفاصيل أنثوية حميمة، و يحكي بالتفصيل كيف تحول إلي جسد تشقه خناجر الغرام.
و أذكر أنه في الخمسينيات قام الشاعر الشاب بزيارة إلى القاهرة ليلتقي كبار أدباءها و يبحث في دهاليزها الإبداعية عن شهادة ميلاد أدبية معتمدة . كانت مجلة " الرسالة " هدفها حيث بعث إليها بقصيدة " طفولة نهد " التي كانت تقليدية من حيث الوزن و القافية لكنها ثائرة متمردة من حيث الغزل الأيروتيكي . و رغم التوجه الكلاسيكي المحافظ لرئيس تحرير المجلة الأستاذ محمد حسن الزيات، إلا أنه نشرها بالكامل مع تعديل بسيط تمثل في تغيير حرف واحد هو الدال في كلمة نهد ليصبح راء و لتنشر القصيدة بعنوان " طفولة نهر " .
المؤكد بالنسبة لي أن العم نزار كثيرا ما تأمل لغز الموت و حاول – دون جدوى – أن يفهمه ، فقد انتحرت شقيقته بسبب إجبارها على الزواج من رجل لا تحبه ، ثم ماتت زوجته الأولى و الأكثر قسوة وفاة ابنه الأكبر توفيق و هو في السابعة عشرة من عمره، و يكتمل قوس المآسي باغتيال زوجته الثانية بلقيس ضمن ضحايا تفجير السفارة العراقية ببيروت، علما بأنها كانت حب حياته و اضطر الرئيس العراقي آنذاك للتدخل لإقناع أهلها بالموافقة على زواجها من نزار !
بالطبع لا أحد يريد أن يرى هذا الجانب في نزار ، الكل يريد أن يراه حصان الاشتهاء غير المروض، و الحقيقة أن جزءا كبيرا من إغراقه في الحسية يعود إلي بحثه عن ملاذ آمن يبعده و لو قليلا عن شبح الموت. و المؤكد أن هاجس الرحيل عن الدنيا ظل الوجه الآخر لكتابات نزار في الحب و الجنس و الغرام.