الاتفاق النووي وانتظار الفرج
الاتفاق النووي وانتظار الفرجالاتفاق النووي وانتظار الفرج

الاتفاق النووي وانتظار الفرج

  تاج الدين عبد الحق

أرجو الله مخلصا، أن يوقع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 6+1، لا لأنه  يضع حدا للقلق الإقليمي من مخاطر  ذلك البرنامج، ولا لأنه يقطع الطريق أمام إيران، ويمنعها من امتلاك قدرات نووية عسكرية، بل لأن هذا البرنامج، بات كحكاية إبريق الزيت التي نسلي بها الأطفال، قبل النوم، أو نقطع بها الرتابة والملل، ونستعين بها على ألم الانتظار.

على مدى ثماني سنوات من  حكم  الرئيس الإيراني المتشدد أحمدي نجاد، وسنتين من حكم الرئيس الإصلاحي حسن روحاني، احتلّ البرنامج النووي الإيراني، عناوين الأخبار، وصدارة الأحداث، وتجاوز الحديث عنه أحداثا جساما، وتطورات عديدة، نشرت الدمار والخراب حينا، وأشاعت القتل و الموت  أحيانا.

  كانت المحادثات النووية، تعود لنقطة الصفر دائما، وتبدأ في كل مرة من نفس النقطة، لنسمع نفس التهديدات، التي تضعنا على شفير الحرب، أو نفس العبارات التي تعيدنا إلى قاعات التفاوض.

 وللمفارقة ، كانت طهران  المحاصرة، المعزولة، هي من يتشدد في مواقفه في كل جولة، وهي من يتراجع في كل مرة. فاوضت بدعوى المرونة، وتراجعت  بدعوى السيادة، أقدمت للانعتاق من العزلة، وأحجمت حفاظا على ما اعتبرته حقا مقدسا. تعثرت مرات لأسباب فنية معقدة، لم ندرك معانيها ولم نعرف مبرراتها إلا عند انفضاض جولة تفاوض، والبدء بجولة أخرى.

في كل هذه السنوات  بات البرنامج النووي الإيراني، وكأنه البوصلة التي تحرك أحداث المنطقة، والمؤشر الذي نهتدي به لرسم  إتجاهات الريح، ومآلات التطورات. جعلنا  بوعي أو دون وعي، من  ذلك البرنامج مظلة لكل ما نعيشه من  أزمات،  ومتنفسا لكل ما نعاني من مشكلات.

ربطنا به مقارعة الاحتلال، وكأن إيران هي  صاحبة  القرار، وبيدها مفاتيح الحل والربط. علقنا عليه  عجزنا عن ملاحقة الإرهاب واستئصال خطره، واعترفنا  به  خطرا إقليميا، لا يمكن مواجهته إلا بالمدد والعون الإيراني،  المعلق على نجاح مفاوضاتها النووية.   تعثرنا في اختيار رؤساء،  وتسمية حكومات،  جاعلين من المفاوضات النووية سببا أو  مخرجا،  فقبلنا ضمنا، ومن حيث ندري ولا ندري، تدخل طهران في خصوصياتنا حقا  وفي شؤوننا الداخلية قدرا.

 تضخمت قضية البرنامج النووي، وباتت أضخم من قضية الشرق الأوسط التي عاش أجيال وأجيال منا، على وقع الحديث عنها، وفي ظل تداعياتها وصدى تفاعلاتها.

 أصبحت عقدة المفاوضات النووية، قرص كل عرس. إذا ذكرت القضية الفلسطينة، ذكروا البرنامج النووي الإيراني، كسبب وذريعه لتعنت إسرائيل. وإذا اشتكى الفلطسينيون من تفاقم خطر الاستيطان، وتمادي الاحتلال، تبرز قضية المفاوضات النووية كوصفة جاهزة  لامتصاص النقمة، وحرف الانتباه، وتأمين المناخ لاستكمال مشاريع البناء، واستمرار مخططات التهويد.

بما يشبه توزيع الأدوار،  وتبادل المنافع، تصلبت طهران في المفاوضات،  باسم الممانعة  والمقاومة، وأخذت إسرائيل دور الضحية فجعلت من ممانعة إيران سببا، لاستمرار الاحتلال،  وغطاء  لمواصلة الاستيطان.

أصبحت المفاوضات ورقة مساومة تخدم بها إيران طموحاتها الإقليمية. وصار ما تدفعه من مواقف في كواليس التفاوض، ثمنا لما  تقبضه في ميادين الأزمات. لم تكن المفاوضات  المارثونية محاولة لتحسيين شروط الاتفاق، بقدر ما كان هدفها التغطية على ما تقوم به في الإقليم .

ظن كثيرون،  أن الخطر الأكبر  يكمن في عسكرة  برنامج إيران، لا في الثمن الذي سيدفع للتخلي عنه. واكتشفنا أنها  تركز في مفاوضاتها على إنهاء العقوبات الإقتصادية، كثمن للتخلي عن طموحاتها  العسكرية. انتبهنا إلى أن هذه العقوبات لم تفرض قبل ثلاثين عاما، بسبب الطموح النووي، بل لكبح التوسع الإقليمي، ولجم الرغبه في تصدير الثورة ومد النفوذ. فبات رفع العقوبات كثمن للتوقف عن البرنامج، إقرارا، وإعترافا ضمنيا  لها بالطموحات الإقليمية، أو على الأقل سببا للسكوت عنها. وسبيلا  لتوفير  عشرات المليارات من الدولارات، التي تمكنها من شحذ أنياب طموحاتها، ومدها بآليات عمل كافية لاستمرار تأثيرها على القوى الحزبية والمذهبية في المنطقة.

انتظار الفرج، من الاتفاق النووي الإيراني،  يحمل تسليما ضمنيا بأننا نعيش على هامش الأحداث، فاقدي الحيلة، عديمي الإمكانية، وأن أزماتنا بكل ما فيها من قتل وتشريد ولجوء، هي صدى باهت، للعبة المفاوضات التي لم تكن  طوال السنوات الماضية في جوهرها إلا حكاية أخرى من حكايات إبريق الزيت التي نقطع بها الرتابة و نستعين بها على انتظار الفرج .

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com