عبقرية عباس
عبقرية عباسعبقرية عباس

عبقرية عباس

يوسف ضمرة

 حين يطالب محمود عباس القمة العربية، بقصف قطاع غزة، فلا حرج على أحد من مساواته بقادة الكيان الصهيوني. فالعدو الإسرائيلي هو الذي "يتكفل" عادة بقصف القطاع ومحاصرته وتدميره وتشريد أهله. صحيح أن عباس ليست لديه المقدرة على مشاركة العدو، لكنه يساعد اعتداءاته سياسيا ورضوخا وتشجيعا. لكنه اليوم أراد أن يبدو عاريا تماما ومن دون ورقة التوت، "فبقّ البحصة" وأعلن موقفه الحقيقي الذي لا لبس فيه؛ قصف قطاع غزة من قبل القوات العربية.

يدخل الأمر في باب المضحك المبكي؛ فما الفرق بين قصف العدو الصهيوني والقصف العربي بالنسبة لعباس؟ الفرق أنه لم يجد الشجاعة الكافية لمطالبة إسرائيل بمواصلة تدمير القطاع وإبادة أهله ومقاوميه، خوفا من ردات فعل فلسطينية وعربية من هنا أو هناك. أما القصف العربي فيأتي ـ كما يظن عباس ـ خفيفا على قلوب الغزيين ومنقذا لهم من "الإرهابيين الفلسطينيين" اللذين قاموا بانقلاب على الشرعية الفلسطينية! هل قلت الشرعية؟ فما مصدرها؟ الكل يعلم أن عباس انتهت ولايته كرئيس للسلطة من سنوات، وأنه رئيس بلا سند قانوني. ولكن الأهم، هو أن هذه الشرعية مستمدة من العدو الصهيوني نفسه، لا من الشعب الفلسطيني. ومدعومة من بعض أنظمة الاعتدال العربي، التي ترى في إسرائيل جارا"لطيفا" يمكن أن يختصر المسافات التي يقطعها العرب في صيفهم إلى أوروبا. كما يمكن فتح أسواق عربية أمام منتجات إسرائيلية قيمة، كالخضار والفواكه المسروقة من الفلسطينيين وأرضهم، إضافة إلى المنتجات الإلكترونية التي تتباهى بها إسرائيل.

معيب وقبيح ما تفوه به محمود عباس. ومعيب أن لا يجد من يردعه فلسطينيا أو عربيا. ومعيب ومخجل أن يظل هذا الرجل ناطقا باسم فلسطين والفلسطينيين. فإذا افترضنا أن الحوثيين أطاحوا بالشرعية اليمنية ـ وهي ليست كذلك بالطبع، لأن هادي ليس رئيسا منتخبا في الأصل ـ فإن حماس وقوى المقاومة الفلسطينية لم تفعل ذلك، على الرغم من أن من حقها أن تفعله، طالما فرط عباس بالحق الفلسطيني. فالموضوع هنا ليس فصائليا، ولا يحق"لفتحاوي" أن يظل متمسكا بعباس، فقط لأنه زعيم فتح. قد نتفهم أن يجنح بعض الفلسطينيين من فتح أو غيرها نحو حل سياسي أو تسوية سياسية للقضية الفلسطينية، بناء على معطيات موضوعية إقليمية ودولية. لكننا لا نفهم ولا نتفهم أن يعمل فصيل فلسطيني على إبادة قسم من الشعب الفلسطيني ومقاومته، فقط لأنه لا يؤمن بخيار القيادة غير الشرعية للفلسطينيين.

هي فرصة لاحت لعباس؛ فطالما تحركت الطائرات العربية وقصفت اليمن، فلماذا لا تقوم بقصف قطاع غزة أيضا؟ من دون أن ينسى "سيادة الرئيس" سوريا بالطبع. ولكن ما لم نفهمه بالنسبة لسوريا، هو أي الأطراف على القوات العربية أن تقصفها هناك؟ النظام والجيش السوري، أم داعش والنصرة؟ لا يحتاج الأمر إلى مُنجم ليخبرنا أن عباس بك يطالب بقصف الجيش العربي السوري. ففي نهاية المطاف تتكفل أمريكا وإسرائيل بداعش والنصرة، فيما لو كانت هاتان الجماعتان تهددان أمن المنطقة حقا!

كشف محمود عباس اليوم، عن جزء من خطة الطريق التي يعتمدها بالشراكة مع العدو الصهيوني وبعض العرب، وبرعاية أمريكية وغربية مباشرة. فلا دولة فلسطينية ذات سيادة، ولا سيطرة على المياه والحدود. ولا إزالة للمستعمرات الكبرى. ولا حق عودة للاجئين الفلسطينيين. وكل من يخالف هذه الخارطة، عليه أن يدفع ثمنا باهظا بالنسبة لعباس؛ تقصفه إسرائيل وتدمره وتبيده وتشرده؛ لا فرق. ولا مانع من تضافر جهود إسرائيلية عربية للقيام بهذا الغرض، طالما أن هذا يرسخ عباس وأبناءه وزبانيته، ويبقيهم نهابين للشعب الفلسطيني، خصوصا حين يقبضون المليارات مقابل إسقاط حق العودة، ومقابل توطين الفلسطينيين في الأردن، وإعادة القطاع إلى سيادة السيسي.

هل سمعتم عن رئيس يطالب الآخرين بقصف شعبه؟ ها هو عباس يفعل ذلك. فهنيئا لنا به زعيما تاريخيا لفلسطين والفلسطينيين!

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com