عشر دقائق!
عشر دقائق!عشر دقائق!

عشر دقائق!

غادة خليل

الجمال المهيب لسلاسل جبال الألب.. كيف تحول الى مقبرة أنيقة تحتضنهم؟

الثلوج البيضاء التي تتوج قمم المرتفعات البعيدة..كيف تخلت عن براءتها؟

المقعد الوثير ..كيف استحال إلى كتلة من الأشواك؟

هل بدأ الأمر بشهقة عابرة سرعان ما تلتها صرخات ملتاعة؟

أي أم احتضنت طفلها؟ وأي زوجة ارتمت في أحضان زوجها تلتمس قبسا من أمان مستحيل؟

وسائل الاعلام العالمية اختصرتهم في مجرد رقم.. الملايين تابعوا النبأ للحظات وربما تمتم البعض بشفتيه شفقة.. لكن المؤكد أنه بعد دقائق تم تغيير المحطة التليفزيونية بحثا عن أشياء اخرى أكثر بهجة.

هم ليسوا مجرد ١٥٠ اجمالي ضحايا طائرة جيرمان وينجز المنكوبة، وليس مهما على الإطلاق تصنيفهم الى ألمان أو إسبان أو حتى اتراك، فعلى كل مقعد كانت تجلس قصة حياة لم تكتمل.. وحين هوت الطائرة من هذا الارتفاع الشاهق تناثرت حفنة من الذكريات والمشاعر التي لن تعود..

عشر دقائق هي المدة الزمنية التي استغرقها تحول كل شئ الى لاشئ.. هي اللحظة الفاصلة بين الموت والحياة، بين المجهول والارتطام بالصخور، بين استرخاء السائح ومواجهة الموت الغادر.

اللافت أنه في هذه النوعية من الكوارث الكبرى يتم دهس المشاعر الانسانية والأحزان الشخصية تحت العجلات الضخمة لماكينات "البيزنس" والصخب الشديد للمؤسسات العملاقة وهي تفكر في حسابات الربح والإخراج الإعلامي للأزمة. خذ عندك على سبيل المثال تلك التصريحات الغريبة التي أدلى بها المدعي العام الفرنسي والتي تضع علامات استفهام حول حقيقة ما حدث للطائرة المنكوبة، خاصة عندما أكد أن الركاب لم يكونوا على دراية بما يجري إلى أن اقتربت لحظة الصدام.

يا سادة، لقد استغرق هبوط الطائرة "المفاجئ" ما يقرب من عشر دقائق، فكيف لم يشعر الركاب بذلك في حين أن مطبا هوائيا من شأنه إشاعة الذعر والخوف بين صفوف المسافرين، فهل كان الركاب بحاجة فعلا إلى "صوت إنذار"، على حد تعبير السلطات الفرنسية؟

و كيف ظل الطيار طوال هذا الوقت دون أن يعلو صوته أو يحاول استخدام أي آله لفتح الباب، حتى وإن كان من باب الحفاظ على حياته الشخصية.

إلى متى سيظل الاستخفاف بالعقول عنوانا، بل وثمنا للحفاظ على الاقتصادات الكبرى للدول المتقدمة، ومما لا شك فيه فإن ما قدمته المانيا وشركة  لوفتهانزا سيكون أقل بكثير مما كانت سوف تتكبده من خسارة مالية وهبوط ملحوظ في مستوى شركتها العملاقة المصنفة واحدة من أكثر الخطوط الجوية أمانا على مستوى العالم.

لم ينج أحد.. فكيف تظهر الحقيقة!

على كل حال الشئ الوحيد الإيجابي - إن جاز لنا الحديث عن ايجابيات في مأساه بهذا الحجم- هو أن مساعد الطيار المتهم بتعمد إسقاط الطائرة يدعى "أندرياس لوبتز" وليس "محمد" أو "جمال" أو حتى "عبد الله"، وأظنكم تفهمون جيدا ما أعني..

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com