"البشعة".. أقدم الطرق العرفية في مصر للحكم على المذنب من أول جلسة (صور)
"البشعة".. أقدم الطرق العرفية في مصر للحكم على المذنب من أول جلسة (صور)"البشعة".. أقدم الطرق العرفية في مصر للحكم على المذنب من أول جلسة (صور)

"البشعة".. أقدم الطرق العرفية في مصر للحكم على المذنب من أول جلسة (صور)

قرية "سرابيوم" إحدى قرى محافظة الإسماعيلية في مصر، أخذت شهرة خارج الحدود، وذاع صيتها، لما تقدمه للزائر دون غيرها، حيث تخصصت في القضاء العرفي، فتقيم محاكمة يعترف بها جميع زوارها، والحكم نافذ من أول جلسة على الجاني لا محالة، وهي تعرف وفق أحكام القضاء العرفي الشهير بـ"البشعة"، وتلك الكلمة الغامضة تعني الاعتراف بالحق عن طريق النار في مجلس عرفي موثق ومعترف به.

موقع "إرم نيوز" زار "سرابيوم" وشارك الطقوس للتعرف على ملامح "البشعة" وخطواتها والحديث مع القبيلة التي تسيطر على المهنة منذ عشرات السنوات، وتتداولها وتتوارثها، فهي ترفع شعار هنا "سرابيوم"، هنا العلاج بالبشعة من أول جلسة.

ملامح بدائية وريفية بسيطة للقرية من الوهلة الأولى، حيث يعمل سكانها في مهنة الزراعة والتجارة فقط، وكان الاستقبال بطبع الجود لكل المغتربين، فالقرية تتحكم فيها عائلات القبائل وفي مقدمتهم عائلة "العيادي" وهي المتخصصة في "البشعة".

ميزان العدل بالنار

كلمات التقطها "إرم نيوز" أثناء البحث عن قبيلة العيادي، وهي "بإذن الله منصورين، ضيوفنا لا يخرجون من القرية دون حلول، نحن نمتلك ميزان العدل بالنار، وبالحق، دون مخالفة القانون"، وبين المزارع الداخلية ومحاصيل القرية، ظهرت معالم قبيلة العيادي بشكل يؤكد أنه يوجد هنا شيء مختلف.

أماكن استقبال الزوار بدوية

بيت كبير من الخوص، له باب للاستقبال مفتوح، ليس عليه حاجب يمنع أي شخص من الدخول، فكل زواره مقبولون، والشكل الداخلي للقاعة المخصصة لجلسة القضاء العرفي "البشعة"، تشبه المجلس العربي، فالجلوس على الأرض، على قطع من الحصير والمساند المصنوعة من القش، وتلك الجلسة يوجد في منتصفها شيء مختلف وهو حفرة من النار، في شكل حوض أو دائرة يوجد بها قطع من الخشب ومطرقة ضخمة من الحديد، تستخدم في البشعة، فهي أداة البشعة الرئيسة والعنصر الرئيس في إنهاء أي مشكلة، ويوجد أمامها مسند خاص بالمبشع نفسه، وهو كبير القبيلة الذي يقيم الجلسة، ودفتر ورقي يتم إثبات البيانات الخاصة بالأشخاص والحكم الصادر.

ما يلفت الانتباه منذ الوهلة الأولى، الصور المعلقة للرجال الكبار الذين كانوا يقومون بتلك المهنة من قبل، وضعها أبناؤهم كنوع من التفاخر في المجالس، والتأكيد على السمعة، بأنها هواية ومهنة متوارثة من الأجداد، والمكان جاهز لاستقبال ما يقرب من 50 شخصًا والمشروب الرسمي للضيوف، القهوة العربي والشاي.

وتميزت أماكن إقامة البشعة بأنها في الهواء الطلق، بعيدًا عن المنازل الرئيسة للحديث والتعامل بعيداً عن سكان القرية.

شيوخ المهنة

استقبلنا الشيخ "سالم العيادي" كبير المهنة في قرية "سرابيوم" بكلمات الجود والطمأنينة، وبأن بمجرد وصولنا فإن أي مشكلة ستنتهي مع بعض الدقائق، التي سوف نقضيها، داخل خيمة البشعة.

وأخذ الشيخ العيادي يسرد مجد أجداده قائلاً: "نحن نعمل في المهنة منذ أكثر من 100 عام حتى أن الصيت وصل خارج الحدود ووصل إلى الدول العربية، فزوارنا ليسوا مصريين فقط، بل عرب أيضًا".

وتابع العيادي: "البشعة هي عبارة عن جلسة عرفية، يتحكم في قضائها النار، حيث أن أي خلاف يتم بين طرفين ووصل إلى أمر شائك، فإنه يتم التعامل معه عن طريق جلسة البشعة، التي يتحكم فيها كبير المبشعين من أبناء القرية، فنحن نحتكر المهنة".

طقوس البشعة

وقال العيادي إن أولى الخطوات هي استقبال الضيوف من الطرفين المتنازعين، ثم رصد بياناتهم كاملة في الدفاتر الرسمية التي يشرف عليها قسم الشرطة بعد انتهاء النزاع، ثم بعد تلك الخطوة، الاستماع للطرفين، وكلاهما يقف على موقف واحد اتجاه مشكلته، وهنا يوجد طرف كاذب وطرف صادق. والاثنان لديهما نفس المعلومات عن الأمر، ولا يريدان تغييرها، وهنا أقوم كمبشع بتعريض "ألسنتهم" إلى النيران عن طريق مطرقة ضخمة، يتم وضعها في النار لمدة ساعات طويلة وتصبح شبيهة بالجمر الأحمر.

وتابع العيادي: "قبل أن يتم تعريضهم إلي المطرقة النارية، أقوم بقراءة بعض السور القرآنية حتى يظهر الكاذب فيهم، فمن هو كاذب فسريعاً ما تستمع إلى صوته يصرخ بسبب الألم الشديد في لسانه لأن الكاذب دائماً ما يكون مرتبكًا ويرفض الاقتراب من النار إلا أن الصادق قادر على المجازفة لإنصاف نفسه من الظلم".

وأوضح أن من أشهر المواقف المضحكة، أن بعض الضيوف يعترف بالحق خوفاً من النار بمجرد اقترابه من مطرقة النيران، خشية على حياته، معلقًا: "تلك الطقوس موجودة منذ سنوات طويلة، كما أشرت ولا يخرج من ذلك المكان سوى الحق ويخرج الزوار وهم على دراية بمن قام بالفعل السيئ الذي حضروا من أجله".

ومن جانبه، أشار "راضي" حطاب البشعة إلى أن مهنته هي إقامة شعلة ضخمة من النار، وإتمام عملية حمي مطرقة البشعة إلى أقصى درجة، ومدة إشعال النيران على المطرقة 3 ساعات متواصلة، ويتم إكرامه بمبلغ مادي من الزوار، حيث يتم دفع مبلغ مالي للبشعة قبل إتمامها يبدأ من 1500 جنيه مصري.

وأضاف أن مدة الجلسة العرفية لا تتجاوز الـ4 ساعات، والمهمة تنتهي بنجاح، وفي اليوم الواحد لا يزيد على جلستين، وأكثر المشكلات التي يحضر الزوار من أجلها، سرقة وقتل وشرف واختطاف.

وأكد ناصر من سكان القرية لـ"إرم نيوز"، أن عدد المبشعين المتحكمين في المهنة، لا يزيد على 3 أشخاص، وهم أبناء قبيلة العيادي، ويورثون المهنة بطقوسها، وأسرارها إلى أبنائهم فقط وليس أبناء القرية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com