وسط عمّان التجاري يستعيد عافيته
وسط عمّان التجاري يستعيد عافيتهوسط عمّان التجاري يستعيد عافيته

وسط عمّان التجاري يستعيد عافيته

منذ أواسط عام 2006، يشهد وسط المدينة التجاري في العاصمة الأردنية عمان، استعادة مطردة لعافيته، ولمحورية مركزه الاقتصادي والمدني. ولعل اللافت في المسألة منذ تأسيسه ، إضافة للبعدين السالفين، استعادته لمكانة سياحية لم يكن يحظى بها  في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته وحتى مطلع تسعينياته، بحيث أصبح القلب النابض للعاصمة ، ومركزها التجاري والاقتصادي والحيوي.

الجانب السياحي الذي يتصاعد يوماً إثر آخر  وسط البلد، ظهرت أولى ملامحه، كما يبين الكاتب رسمي أبو علي، قبل عدة أعوام مع افتتاح عدد من المقاهي الثقافية وغير التقليدية، وهي المقاهي التي لم تعد مقتصرة على الذكور، كما جرت العادة في مقاهي عمّان الشعبية.

عزيز المشايخ صاحب إحدى هذه المقاهي يقول إنّ انتباه "أهل البلد جاء على إثر انتباه عدد من السياح الأجانب لهذا الفارق الواضح، ولتميز هذه المقاهي بديكورات تحتوي على لمسة فنية تراثية معتقة، من خشب السكة إلى عدد كبير من الأنتيكا والمقتنيات القديمة".

ما أن يلج الزائر أحد هذه المقاهي حتى يلفت انتباهه وجود: جهاز أسطوانات قديم، مكوى قديمة، جاروشة (مطحنة قمح)، راديو قديم، سلاح قديم، محراث... صور لفيروز وجيفارا ووديع الصافي ومحمود درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وزياد الرحباني والصبوحة وسميح شقير وسميح القاسم ونزار قباني ومظفر النواب وعبد الناصر وغسان كنفاني وناجي العلي ونجيب محفوظ وبليغ حمدي والعندليب.. وخلطة غريبة عجيبة من الصور التي تعكس اهتمامات مختلفة وترضي ذائقات متباينة.. مقالات وتقارير صحافية حول المقهى.. صور لحفل نظمه المقهى للفنانة الفلسطينية ريم البنا.. سائح يجالس صديقته الأجنبية على الشرفة يراقبان روح المكان، ويحاولان، على ما يبدو، قراءة تحولاته.. يتقدم منهما شاب عارضاً عليهما بلغة إنجليزية ركيكة رسمهما.. تعجبهما الفكرة، فيسألان كيف؟، فيطلب صورة شخصية لكل واحد منهما، يأخذ الصورتين ويعود أدراجه لزاويته داخل المقهى.. لا ورق شدة.. ولا أحد يلعب طاولة الزهر.. صاحب المكان يجيب عن سبب غياب هاتين الخدمتين، إنه الحرص على انتقاء نوعية الزبائن، والتأكيد على البعد الأسري والعائلي للمقهى.. يقول: "نحن نوفر خدمات من طراز خمس نجوم.. بانتظار أن يؤتي هذا التوجه أكله في المستقبل".. ويبدو أن انتظار هذا المستثمر لم يدم طويلاً.. فما هي سوى دقائق حتى بات المكان مزدحماً والضجيج عالياً ولا مجال للأسئلة وتعطيل أصحاب المقهى أكثر من ذلك..

السائح الفرنسي بارت، يقول إن السبب الرئيس لارتياده واحدة من هذه المقاهي هو توافرها على خدمة نوعية نادرة من نوعها، وهي بحسب ما يوضح: خدمة أن يصنع الزبون قهوته بنفسه من خلال (سبيرتاية) وهي عبارة عن (بابور) صغير مزود بخزان صغير لـ (الاسبيرتو) ورأس يوجد به فتيل قماشي، إضافة إلى حامل صحف يحتوي على عدد من الصحف اليومية الأجنبية.

الكاتب زياد عساف (من مدمني قاع المدينة) يرى أنّ الزيارة المفاجئة التي قام بها الملك عبد الله الثاني والملكة رانيا العبد الله ومعهما أبناؤهما الأمراء، إلى وسط البلد، وتناولهم قبل عامين أو ثلاثة، طعام السحور في مطعم هاشم الشعبي للفول والفلافل، وزيارتهما لكشك أبو علي للكتب والمجلات، وتجولهم هناك، زاد، بحسب عساف، بشكل ملحوظ جداً من شعبية قاع المدينة، ومن صيته، خصوصاً مع تعليق أصحاب المطعم وصاحب الكشك لصور تلك الزيارة الملكية اللافتة.

الشيخ هشام صاحب خزانة الجاحظ للكتب، يُرجع بعض هذا التدفق نحو وسط البلد إلى تصوير حلقات برنامج "قاع المدينة" الذي بثه ويبثه التلفزيون الأردني، في ساحة فيصل والجامع الحسيني والمدرّج الروماني والقلعة وشارع طلال وشارع الهاشمي وأسواق منكو والبخارية والبشارات وغيرها ومنطقة البريد ومختلف مفردات قاع المدينة وأسواقه. وبين سائل عن كتاب أو سائلة عن رواية جديدة، تحدث الشيخ هشام عن تأثر الناس بالإعلام المرئي، وكيف أنّ تنقل كاميرا البرنامج بين أسواق وسط البلد وأماكنه وذكرياته، شكل دافعا للناس والأهالي.

النائب السابق حمادة فراعنة يرجع جزءاً كبيراً من هذا النشاط إلى الازدياد الملحوظ بعدد الوفود السياحية التي تؤم الأردن قادمة من فلسطين المحتلة، حيث وجد كثير من فلسطينيي الداخل في تفاصيل وسط عمّان التجاري والبتراء وأم قيس وغيرها "محجاً سياحياً مناسباً ولعله أقل كلفة من السياحة لأوروبا على سبيل المثال" يقول فراعنة.

إلى جوار النائب كان صديق له قادماً من الناصرة يسأل أين كنافة حبيبة النابلسي، وبعد الاستيضاح تبين أنّ قرابته ذكر له هذا الطقس على وجه الخصوص: تناول الحمص والفول في مطعم هاشم، ثم السير نحو (حبيبة) الموجود في دخلة البنك العربي التي عند مدخلها يوجد كشك أبو علي.. وهو يصر أن يؤدي الطقس كما بلغه ويرسل صوراً لابن عمه توثق ذلك.. حديثه تداخل مع صوت رجل كان يمر بالجوار ويسأل عبر هاتفه عن عنوان (حبيبة) لهجته جعلت صديق الفراعنة يؤكد لنا أن هذا الرجل "بلدياته" وأنّ نصيحة مماثلة يبدو أنها وصلت إليه وها هو يحاول تحقيقها مستدلاً على العنوان.

المهندس المعماري زيد غضيب يوضح أنّ أشرطة الدي في دي (dvd) رخيصة الثمن (كل سبعة أشرطة بخمسة دنانير أردنية) هي سبب نزوله وأصدقاؤه وصديقاته إلى وسط البلد قادمين من عمّان الغربية البعيدة في الجغرافياثمنها  والمستوى الاجتماعي والمعيشي، خاصة مع توافر أحدث الأفلام في تلك المحلات التي تبيع هذه الأشرطة، حتى وهي ما تزال تعرض في صالات السينما. الملاحظ أن المنطقة التي قابلنا فيها غضيب تتضمن حوالي 20 محل "دي في دي" بجوار بعضها، ما يشير إلى أنه يبدو سوقاً رائجة ومربحة. هذا، على كل حال، ما اعترف به مواربة موسى صاحب أحد هذه المحلات، دون أن ينسى الشكوى من مباغتات (كبسات) المكتبة الوطنية وأفراد المُلكية الفكرية الذين يراقبون إمكانية القرصنة، وبيع أشرطة مصورة من السينما أثناء عرض الفيلم.

غضيب ومن معه يجلسون في مطعم شعبي يتناولون الحمص والفول، لاحظ انتباهنا لهم، فقال: "ربما هناك دائماً أسباب أخرى ينسى الشخص تذكرها وذكرها جميعها!".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com