رسائل نابليون وبوفوار وميتران.. الحبُّ الفرنسي طريق لقراءة التاريخ غير المعلن
رسائل نابليون وبوفوار وميتران.. الحبُّ الفرنسي طريق لقراءة التاريخ غير المعلنرسائل نابليون وبوفوار وميتران.. الحبُّ الفرنسي طريق لقراءة التاريخ غير المعلن

رسائل نابليون وبوفوار وميتران.. الحبُّ الفرنسي طريق لقراءة التاريخ غير المعلن

بمجرد أن تنطفئ الأضواء، ويخلو مسرح الحياة من المعجبين والمنافقين، وصولجان السلطة وبريق كرسي الرئاسة، تسقط الأقنعة عن الملوك والرؤساء والفلاسفة، ليتحوّلوا إلى عشاق، تهيم أرواحهم في سماوات الحب والعاطفة، فيسجلون في رسائلهم المفعمة بالشوق والحرمان والبعد الإجباري عمن يحبونهم، لحظات استثنائية تخرج من إطار حياتهم الرسمية والمعلنة، وتمهد الطريق لقراءة التاريخ السري، لهؤلاء العظماء المعذبة أرواحهم.

ما يجدد الحديث عما تكشفه الرسائل الغرامية الخاصة بصنَّاع الأحداث التاريخية الكبرى، ما نشرته مؤخراً دار النشر العريقة "غاليمار"، وهو 1200 رسالة حب بعث بها الرئيس الفرنسي الأسبق "فرانسوا ميتران" على مدى ثلاثين عاما لعشيقته "آن بينجو" ووالدة ابنته مازارين، التي اختارت أن تنشرها في كتاب بعد عشرين عامًا من وفاته، و5 سنوات على وفاة زوجته برناديت، ذلك أن نشر الكتاب في حياتها كان سيجرحها.

يجمع كتاب «رسائل إلى آن (1962 – 1995)» 1218 رسالة من بينها قصائد شعر كتبها وأرسلها فرنسوا ميتران، إلى عشيقته ووالدة طفلته مازارين، حاملة بين ثناياها الكثير من الحب والشغف والألم أحيانًا.

وأما آخر رسالة فيعود تاريخها إلى سبتمبر 1995، أي قبل بضعة أشهر فقط من وفاته، وكتب فيها ميتران الذي كان مريضًا جدًا وغادر الى منطقة بريتاني للراحة "آن، لقد كنت فرصة العمر بالنسبة لي".

إنها 6 سنوات خط خلالها ميتران رسائل لعشيقته في 22 دفتراً من القطع A4، حيث كان يقص ويلصق المقالات السياسية والبورتريهات التي تكتب في الصحافة عنه والرسومات الكاريكاتورية، وحتى الإعلانات، ويكتب ملاحظات عليها، وحين ينتهي الدفتر يسلمه لها، كدليل على عشقه وولعه بها، لتتحول تلك الرسائل بعد نشرها إلى شهادة تاريخية، تكشف الوجه الآخر للرئيس، أي " ميتران" الأديب من خلال رسائله الرومانسية.

تبلغ "آن بينجو" اليوم 73 عامًا، ورغم أنها كانت مقربة من الرئيس لعقود، إلا أن الفرنسيين لا يعرفون عنها شيئا، ذلك لأنها اختارت التزام الصمت منذ أكثر من 50 عامًا، بعد أن أجبرت ولسنوات طويلة، على تحمل كل الروايات والشائعات التي كانت تروى عن حياتها، ويبدو أن الوقت قد حان لتروي نصيبها من هذه الحقيقة.

إذا كان الرئيس الفرنسي "ميتران" قد استطاع أن يحكم فرنسا بالحب في صمت، فإن القائد العسكري الفذ "نابليون بونابرت"، الذي غزا بحصانه الأبيض الأشهب، بلدانًا، وهز عروشًا، وأقلق مضاجع ملوك أوروبا بأسرها، كان حينما يسدل الليل ستاره، ويجلس في خيمته وحيداً، يتحول إلى عاشق مفتون بحبيبته، التي لم يستطع أن يغزو قلبها ويتربع داخله، إنها مأساته العاطفية مع فاتنته وزوجته "جوزفين" وعصره المليء بالاضطرابات التي ثارت إبان الثورة الفرنسية، وأعمال العنف التي أعقبتها، وبروز وسطوع نجم "بونابرت" نفسه وأفوله.

فحينما رحل عنها، بعد 11 يوماً من زفافهما على رأس الجيش الفرنسي إلى إيطاليا، وفي الحرب، ورغم انتصاراته، كان هناك شيء أقوى يضفي على نابليون الحزن العميق، ألا وهو فراق حبيبته، وكان يكتب لها أروع الخطابات، بلغ عددها 33 ألفا، وكان يبعثها لها، ويشكو لها حاله، وما وصل إليه من الشوق، وهو في غمار المعارك، وزهو انتصارات النصر.

ومن أشهر رسائله: «‎لم أمضِ يومًا واحدًا دون أن أحبكِ، ولا ليلة واحدة، دون أن أعانق طيفكِ‎ وما شربت كوبا من الشاي دون أن ألعن العظمة والطموح‏‎ اللذين اضطراني إلى أن أكون بعيدًا عنكِ وعن روحكِ الوثّابة، التي أذاقتني عذوبة الحياة‎، إن اليوم الذي تقولين فيه أن حبكِ لي قد نقص، هو اليوم الذي يكون خاتمة حياتي»‎‏، وكان القائد العظيم نابليون بونابرت، إذا فرغ من الكتابة مسح ريشته في كم سترته!!.‏

أما صاحبة كتاب "الجنس الآخر"، الكاتبة الفرنسية الشهيرة "سيمون دي بوفوار" رفيقة درب المفكر الوجودي الأشهر "جان بول سارتر"، والتي شكلت معه ثنائيا فكريًا قلّ نظيره في تاريخ الأدب، فقد عبرت ومن خلال كتابة 304 رسائل حب موجهة إلى "نيلسون اليغرين" مؤلف كتاب "الحياة في الجانب الوحشي"، هذا الحب الكبير الذي ظل في حياتها لسنوات طويلة، امتدت من العام 1947 إلى العام 1964، رغم المحيط الأطلسي الذي يفصل بينهما، وعدم قدرتها على الالتقاء به إلا مرة أو مرتين في السنة.

تكتب "دي بوفوار" الفيلسوفة ذات النظريات الرمادية للعواطف والأحاسيس كفتاة شابة عاشقة عبارات مثل: "حبيبي.. ليلا ونهارًا، أشعر بأنني مغلفة بحبك، إنه يحميني من كل الشرور، عندما تكون الدنيا ساخنة فإن حبك ينعشني، وعندما تهب الرياح الباردة، فهو يدفئني، وطالما تحبني، فإنني لا أشعر بأن الشيخوخة ستصلني ولن أموت".

رسائل "دي بوفوار" العاطفية الساخنة، لم تقدّم التجربة الشخصية لصاحبة «المثقفون والجنس الآخر وقوة الأشياء" فقط، بل قدّمت تفاصيل الحياة الثقافية في باريس، فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com